إذا كان الموقف الحاد الذي إتخذه النائب ​نواف الموسوي​ خلال مناقشة ​البيان الوزاري​ للحكومة الجديدة قد أثار تفاعلات في ​مجلس النواب​ والشارع المسيحي، فإنّ الاعتذار الذي قدّمه رئيس كتلة «الوفاء للمقاومة» النائب ​محمد رعد​ لم ينجح وحسب في سحب فتيل الإحتقان، بل إنه قدّم «حزب الله» في صورة «المتواضع» و«المنفتح»، خلافاً لإنطباعات خصومه عنه.

ويمكن القول إنّ الساعات التي سبقت مبادرة رعد كانت مفصلية وحاسمة، بل إنّ بعض الشخصيات التي واكبت تلك الفترة تشير الى أنها كانت محفوفة بالمخاطر، ومفتوحة على الاحتمالات السيّئة، لو لم يتدارك «حزب الله» الأمر بشجاعة ومسؤولية، قبل استفحاله وتفاقمه، على وقع الغليان في بعض الاوساط السياسية والشعبية في الساحة ​المسيحية​.

وتجدر الإشارة الى أنّ الموسوي إستشعر، هو نفسه، بدقة الوضع وحساسيته، وبالتالي بادر شخصياً، قبل خطوة رعد، الى الاتصال بعضو كتلة «القوات اللبنانية» النائب ​ادي ابي اللمع​ وأبلغ اليه أنّ ما صدر عنه كان نتيجة إنفعال وأن لديه كل الرغبة في المعالجة.

وقد اتصل إبي اللمع بقيادة «القوات» ووضعها في صورة ما دار بينه وبين الموسوي، في وقت كان النائب ​جورج عدوان​ يتولّى بتكليف من ​معراب​ التواصل مع كل من الوزير ​جبران باسيل​ والنائب ​ابراهيم كنعان​ من «التيار الوطني الحر» ورئيس ​حزب الكتائب​ ​سامي الجميل​ للتداول في الخطوات اللاحقة، وسط اتّجاه لدى «القوات» و«الكتائب» الى مقاطعة جلسات الثقة في مجلس النواب وعدم الدخول اليها، ما لم يتمّ تصحيحُ الموقف.

لم يتحمّس «التيار» لفكرة تعطيل جلسة مجلس النواب، وابلغ الى نواب كتائبيين وقواتيين انّ البلد ينتظر انطلاق عمل ​الحكومة​ ولا يمكن تأخير حصولها على الثقة، خصوصاً انّ مثل هذه المقاطعة ستنعكس ايضاً مزيداً من التوتر في الشارع، معتبراً «انّ هناك إمكانية للمعالجة ويجب اعطاء فرصة للحل».

وعلى هذه ​القاعدة​، كلف باسيل كنعان و​آلان عون​ التواصل مع رعد فالتقيا به في مجلس النواب، حيث لمسا منه ايجابية وتحسّساً كبيراً لدقة اللحظة، وهو قال لهما إنه كان يفكر منذ البارحة (الليلة التي سبقت مبادرته) في طريقة لإنهاء تداعيات السجال الذي وقع، وأنه كتب نصّاً معيّناً لتطويق ذيوله.

تداول رعد مع موفدي باسيل في الصيغة التي أعدّها، فرحّبا بها، ثم تولّيا نقلها الى نواب «الكتائب» و»القوات» الذين كانوا يجتمعون في غرفة مجاورة.

بعد أخذ ورد، طلب بعضهم الالتقاء برعد قبل أن يدخلوا الى الجلسة النيابية، فتمّت الاستجابة لطلبهم، وعُقد لقاءٌ ضمّ كلّاً من رعد والنائب ​حسن فضل الله​ والنواب سامي و​نديم الجميل​ و​الياس حنكش​ وجورج عدوان وكنعان وعون و​سامي فتفت​ الذي كلفه الرئيس ​سعد الحريري​ متابعة المسألة.

خلال اللقاء، أدلى رعد بكلام انطلق من الإشكالية التي وقعت الى ما هو أبعد منها، قائلاً: «لماذا وصلنا الى كل هذا التشنّج.. يا إخوان كل واحد منا لديه رأيه وخياراته، وهذا أمر طبيعي، ويجب أن نحترمه. كما أنّ كلاً منا لديه تاريخه وتأكّدوا أننا لا نقبل أبداً المَسّ بما يعتبره الآخر من مقدساته أو رموزه، ونحن بادرنا الى مد اليدّ أكثر من مرة ومستعدون لذلك في استمرار.

وتوجّه رعد الى سامي الجميل، قائلاً: «شيخ سامي.. كذا مرة طلبتَ أن نجلس ونتحاور ونحن تجاوبنا»..

وقد حظي كلام رعد بتقدير نواب «القوات» و«الكتائب» الذين اعتبروا أنّ المشكلة انتهت، وأنّ الخلاف السياسي يجب أن يبقى محكوماً بضوابط تحول دون تجاوزه السقف المقبول.

بعد اجتماع غسيل القلوب، دخل النواب الى القاعة العامة، وقرأ رعد النص المكتوب بعناية والذي فاجأ في مضمونُه الانفتاحي المحتجّين على مداخلة الموسوي.

ومع إخماد نار الفتنة الطائفية قبل تمدّدها، يعتبر مصدر بارز في «التيار الحر» انّ الدور المحوري الذي أدّاه «التيار» في تفكيك صاعق الانفجار يعكس أهمية التفاهمات التي أبرمها، خصوصاً مع «حزب الله»، وبالتالي يؤكد عدم صحة الاتهامات والانتقادات التي وُجهت اليه، وبلغت حدّ التخوين احياناً.

ويلفت المصدر، الذي شارك في تبريد الصفيح الساخن، الى انّ استراتيجية صنع التفاهمات ومدّ الجسور التي اعتمدها «التيار» منذ أن كان العماد ​ميشال عون​ رئيساً له أثبتت جدواها وصوابيّتها في هذه الظروف كما تبين من التجربة الاخيرة، «إذ لولا الثقة القائمة مع «الحزب»، ما كنا لنستطيع أن نكون صلة الوصل بينه وبين القوى المسيحية الأُخرى في لحظة الانقطاع والاحتقان قبل أيام، والتي كادت تعيد الزمن الى الوراء، وتحديداً الى عام 1975، بعدما علت الاصوات الغاضبة وساد الانفعال واستنفرت الأرض وعاد التلويح ب​السلاح​، بحيث اصبح المسرح جاهزاً للسيناريو الأسوأ».

ويشير المصدر القيادي في «التيار» الى أنّ الجمر كان يستعر تحت الرماد وفوقه، وخطر الانزلاق الى الفتنة بدا حقيقياً وداهماً، وكان يكفي أن يدخل جهاز مخابرات خارجي أو طابور خامس على الخط حتى ينفجر برميل البارود، لافتاً الى انّ «التيار الحر» كان يملك الهامش الاكبر للتحرك في اتجاه تطويق المشكلة، متّكئاً على التفاهم مع «حزب الله» والمصالحة مع «القوات اللبنانية».

ويضيف المصدر: «لا مبالغة في القول إنّ خيطاً رفيعاً كان يفصل بين أن يتدحرج الوضع نحو التصعيد المفتوح على المجهول وبين أن يسلك منحى التهدئة والانفراج، وكلّه كان يتوقف على طريقة التصرّف وتوقيته».