لن يستكين الناس، ولن يهدأ لهم بال، قبل ان يعرفوا ما الذي يجري في هذه "الدولة" التي لا تحترم قوانين هي تضعها:

"دولة" تُصدِر قانونًا بمنع التوظيف، فتوظِّف خمسة آلاف.

"دولة" تتحدث عن الشفافية في ​الإنتخابات النيابية​، فتخرق هذه الشفافية من خلال تقديم "رشاوى" انتخابية عبر توظيفات هنا وهناك لاستمالة هذه العائلة أو تلك، من أجل الاستحواذ على أصواتها.

***

لن يستكين الناس إلا حين تُعلَن أسماء الذين خالفوا القوانين المرعية الإجراء، عبر إدخالهم خمسة آلاف موظف جديد لا حاجة لهم سوى في التنفيعات، فيما تئن وزارات وإدارات من نقصٍ في العناصر البشرية:

تخمة في وزارات وإدارات ومؤسسات، فيما بعض الإدارات ترفع الصوت لحاجتها إلى موظفين، ولا من مجيب. أحد الامثلة الصارخة الضمان الإجتماعي الذي يعاني من نقص هائل في العناصر البشرية، وكم من مرة رفع الدكتور ​محمد كركي​ الصوت، ولكن ما من مجيب.

***

بدأت القصة في آب من العام 2017 من خلال صدور قانون ​سلسلة الرتب والرواتب​ الذي رفع الحد الأدنى للأجور. في القانون المذكور هناك المادة 21 التي تمنع التوظيف والتعاقد وتنص على مسح شامل للملاك والحاجات خلال 6 اشهر.

آنذاك كان الجميع في انتظار توقيع ​رئيس الجمهورية​ العماد ​ميشال عون​ على القانون ليُصبح نافذًا بعد صدوره في ​الجريدة الرسمية​.

استفسر رئيس الجمهورية عن القانون وآلية تنفيذه وسبل تمويله وتوفير الإيرادات له، فجاءته الأجوبة ان التطبيق سيتم بحذافيره وأن الكلفة لا تتجاوز الـ 800 مليون دولار سنويًا وأنه سيغطي الزيادة لنحو 170 ألف موظف، وأن الإيرادات ستكون محققة.

***

تزامن بدء تطبيق القانون مع بدء التحضير للإنتخابات النيابية، والإنتخابات تعني في ما تعنيه: رشاوى وشراء ذمم وتوظيف عشوائي لإستمالة الأصوات، لتبدأ الفضائح تتوالى:

شهور معدودة كانت تفصل بين صدور القانون الذي تضمن منع التوظيف، وبين مخالفة وزراء للقانون بتوظيف نحو خمسة آلاف، ضاربين بعرض الحائط احترام القوانين، إذ كيف سيتحقق الإصلاح إذا لم يحترم المسؤول، قبل المواطن القانون؟

وبدأت الفضائح تتوالى:

هناك أولًا تسميات عدة للتوظيف، لكنها في نهاية المطاف تصب في مكان واحد وهو استنزاف خزينة الدولة، فهناك: الموظف والأجير والمتعاقد والمتعامل والمستخدَم ومستخدم مؤقت أو بالفاتورة ومياوم وملحق!

هذا بلد العجائب: تسعة مسمَّيات تؤدي إلى مكان واحد: توظيف من خلال الإلتفاف او الأحتيال على القانون! ولكن مَن يقوم به؟ وزراء ومؤسسات عامة وبلديات ومصالح، وكأن الدولة أصبحت "مكتب توظيف".

***

فعلى سبيل المثال لا الحصر، تمَّ إدخال 250 شخصًا في مختلف البلديات و200 شخص في المستشفيات، في وزارة التربية تم إدخال 3305، علمًا ان وزير التربية

السابق ​مروان حمادة​ أوضح ان دخول هؤلاء إلى وزارة التربية كان عبر ​مجلس الخدمة المدنية​. في وزارة الطاقة نحو ألف، ​هيئة أوجيرو​ 453 موظفًا، وزارة الخارجية 75 موظفًا.

هذا غيض من فيض، ولأجل ذلك دق رئيس مجلس النواب ​نبيه بري​ ناقوس الخطر بإعلانه أنه "تم الاستماع الى وزير المال ​علي حسن خليل​ حول الارقام وتبين ان هناك قرارات وزارية اتخذت خلافا للقانون، وهذا الموضوع لن يمر مرور الكرام".

حين يقول رئيس السلطة التشريعية هذا الكلام فهذا يعني ان "ورشة" ستتم في مجلس النواب من أجل كشف مَن وظَّف؟ ومَن وُظِّف؟ وقد يصل الأمر إلى إخراج الخمسة آلاف ممن تم توظيفهم، وما لم يتحقق هذا الأمر، فإن كل الصراخ الذي حصل ويحصل، لن يكون أكثر من فقاقيع صابون.