كتب دنيس روس، المساعد الخاص السابق للرئيس باراك أوباما والمدير السابق «لمجلس الأمن القومي» الأميركي والزميل في معهد ​واشنطن​ لسياسة الشرق الأدنى، تقريراً مفصلاً عن المداولات التي شارك في قسم منها وأدارها بنفسه خلال انعقاد مؤتمر ​وارسو​ الأخير، كاشفاً عن أهم ما أدلى به بعض الوزراء العرب الذين شاركوا في المؤتمر، ومما جاء في تقرير دنيس روس:

دُعيتُ الأسبوع الماضي لإدارة إحدى جلسات «المؤتمر الوزاري لتعزيز مستقبل السلام والأمن في الشرق الأوسط» الذي استضافه وزير الخارجية الأميركي ​مايك بومبيو​ ووزير الخارجية البولندي ياتسيك تشابوتوفيتش في وارسو بين 13 و14 شباط. وتضمنت تلك الجلسة ثلاثةً من كبار المسؤولين العرب، هم وزير الدولة السعودي للشؤون الخارجية ​عادل الجبير​، ووزير الخارجية الإماراتي عبدالله بن زايد، ووزير الخارجية ​البحرين​ي خالد بن أحمد الـخليفة، وقد أجريت بعد ذلك مقابلةً مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي شارك أيضاً في هذا المؤتمر. وكشفَتْ هذه المحادثات وغيرها عن العديد من الدروس المثيرة للاهتمام، وكانت واعدة في العديد من الحالات.

أولاً، الأوروبيون يشعرون بالقلق جراء الأخبار اللافتة التي سمعوها من الوزراء العرب ومن نتنياهو عن الأعمال التي وصفت الجهود التي تقوم بها إيران لزعزعة الاستقرار في المنطقة واستغلال النزاعات فيها، سواء عن طريق تهريب الأسلحة إلى البحرين و​السعودية​، أم استخدام الميليشيات الشيعية لفرض إرادتها على الحكومات، أو إرسال ​الصواريخ​ إلى «حزب الله» و«حماس» و​الحوثيين​، أو تشجيع ​الإرهاب​، أو التخريب، في المنطقة.

ثانياً، إن إيران لن تتوقف عن إثارة المشاكل في الخارج ما لم تصبح تكاليفها أكثر حدّة. ومن اللافت للنظر أن الوزراء العرب أشاروا إلى أن ​العقوبات الأميركية​ ليست سوى جزء من الحل. فمن وجهة نظرهم، أن تحميل إيران عواقب أفعالها يستلزم أيضاً توحيد جهودهم في جبهة معارضة راسخة وجماعية، فضلاً عن بذل المزيد من الجهود لإطلاع الرأي العام الإيراني على التكاليف المترتبة على مغامرات حكومتهم.

ثالثاً، إن المشهد الإستراتيجي العربي الإسرائيلي يتغير، حتى وإن لم يكن «الشرق الأوسط الجديد» الذي تصوره شمعون بيريز على وشك أن يبصر النور. فمؤتمر وارسو لم يكن شبيهاً بالتجمعات الدولية الأخرى أو مؤتمرات السلام التي شارك فيها كبار المسؤولين العرب والإسرائيليين. ففي اللقاءات السابقة، بدءاً من مؤتمر مدريد عام 1991 ووصولاً إلى مؤتمر أنابوليس عام 2007، كان كل طرف يلقي خطابات معدّة مسبقاً من دون حدوث أي نقاش فعلي أو مشاركة حقيقية. ولكن الأمر اختلف في وارسو: فقد كان المؤتمر عبارة عن جلسة أسئلة وتعليقات مُدارة من رئيس الحلقة (أي روس نفسه) حيث جلس جميع المشاركين في قاعات مغلقة وأصغوا مباشرةً لبعضهم بعضاً، بمن فيهم وزراء الخارجية العرب ورئيس الوزراء الإسرائيلي جنباً إلى جنب وعلناً وهذا الأمر بحد ذاته تقدم ملموس.

يضيف دنيس روس: على سبيل المثال، أشرتُ خلال مناقشة حول كيفية التصدي للتكتيك المنخفض التكلفة الذي تلجأ إليه إيران والمتمثل في استخدام الميليشيات الشيعية في الخارج وقلت (والكلام لدنيس روس): إن إسرائيل نفّذت أكثر من 200 عملية ضد القوات الإيرانية والقوى الوكيلة لها التي كانت تحاول ترسيخ وجودها في سورية. وحين سألتُ أحد الوزراء العرب عن رد فعله (وزير ​خارجية البحرين​)، أجاب إن إسرائيل كانت تمارس «حقها في الدفاع عن نفسها». وكان نتنياهو حاضراً عندما تم إبداء هذه الملاحظة وغيرها من الملاحظات اللافتة للنظر التي صرّح بها الوزراء العرب السبعة الحاضرون، وقد وافق على تحليلاتهم للأمور في تعليقاته اللاحقة التي أدلى بها لي ولآخرين. وقد لا يرقى هذا الأمر إلى مصاف التطبيع، ولكنه يُوْجِد حالة طبيعية جديدة.

أما في الشأن السوري فقد قال دنيس روس في تقريره:

لقد أظهر المشاركون توافقاً في الآراء حول عدة مسائل رئيسية تتعلق بسورية. فضّل الجميع تطبيق قرار ​مجلس الأمن الدولي​ رقم 2254 الذي يدعو إلى وقف الأعمال العدائية، وصياغة دستور جديد، وتنفيذ عملية انتقال سياسي على مدى ثمانية عشر شهراً. ولم تكن هناك مفاجأة، لكن ما لفت نظري هو وجود توافق آخر في الآراء، تمثل بتباين المصالح الروسية والإيرانية في سورية، وإمكانية استغلال هذه الخلافات للحد من الوجود الإيراني في البلاد وربما حتى تطبيق القرار 2254. ولكنني أشك كثيراً في إمكانية توسيع هذه الخلافات في وقت قريب.

عرضت ما جاء في تقرير دنيس روس، للأمور التالية:

أولاً، تبيان خريطة السياسة المستقبلية لدول عرب ​الخليج​ ومدى الاندفاع والحماسة في الدفاع عن إسرائيل (العدو المحتل ل​فلسطين​) ضد إيران (الناصرة لفلسطين والملتزمة ب​القضية الفلسطينية​) بالدفع نحو أكبر عملية تحشيد وتضليل إعلامي عربي ـ أميركي ضد إيران، واستعدادهم للتطبيع المجاني المذلّ مع العدو الإسرائيلي، والتحالف معه ضد إيران ومحور المقاومة في المنطقة.

ثانياً، الخوف الذي ينتاب ​دول الخليج​ من انحسار دور العدو الإسرائيلي في المنطقة، نتيجة رسوخ وتعاظم قدرة التحالف الإستراتيجي بين سورية وإيران، ونجاحه في منع تنفيذ أي من الصفقات المذلة على حساب تصفية القضية الفلسطينية، ومنها صفقة القرن.

ثالثاً، نتيجة تآكل الدور الإسرائيلي المتواصل، ظهر اندفاع عرب الخليج في الدفاع عن إسرائيل وإعطائها حق الدفاع عن نفسها ضد قوى المقاومة، وهذا ما يثبت للقاصي والداني أن مصير استمرار أنظمة الخليج بات مرتبطاً ارتباطاً وثيقاً باستمرار الكيان الصهيوني، لا بل الدفاع عنه ولو كان ذلك على حساب تصفية قضية فلسطين وهدر حقوق شعب فلسطيني بأكمله.

حين يدافع عرب «وارسو» عن إسرائيل ويبلغون هذا الدرك، لا بد لنا من إدراك سبب التآمر على سورية وإيران، ولا بد من اليقين أن سورية هي تاريخ وحاضر ومستقبل الأمة العربية، وأن عرب الخليج هم أنظمة مصنوعة بلا تاريخ، وأنهم سبب علّة فلسطين والأمة.