هل من دولة في العالم تكون عبئًا على ذاتها وعلى أبنائها؟

نعم، هناك الدولة اللبنانية:

بعض موظفيها يعيشون على حسابها ويتقاضون خدماتهم ومنافعهم مما يدفعه المواطن من ضرائب ورسوم.

هذا ليس كلامًا في الهواء، بل ان الوقائع تثبته.

فجَّرت ​لجنة الإعلام والإتصالات​ النيابية قنبلة فضائحية، ففي المداولات داخلها ورد ما يلي: "هناك آلاف الخطوط الخليوية مع بعض موظفي الدولة، والذين ليس لديهم سقف في حجم الاتصالات، ولكن الوزير الصديق ​محمد شقير​ الناجح في القطاع الخاص وعلى رأس ​الهيئات الاقتصادية​، قرر ان ينقل نجاحاته الى القطاع العام وتحديداً ​وزارة الاتصالات​ بكل شفافية وجرأة، فأعلن ان عدد هذه الخطوط بلغ 5 آلاف و535 خطا خليويا مع موظفين من دون سقف لفواتيرهم أحيانا وغالبا".

في حسبة بسيطة، إذا كانت فاتورة كل خط، في حدها الأدنى، ألف دولار (وبالتأكيد الرقم أكبر)، فإن كلفة هذه الخطوط شهريًا هي 5535000 (خمسة ملايين ونصف مليون دولار) أي اكثر من ستين مليون دولار في السنة، يدفعها المواطن اللبناني رسومًا وضرائب، فيستفيد منها هذا المحظوظ او المحظوظة أو ذاك لا لشيء إلا لأن هناك مَن يريد تنفيعه "فيهبه خطًا خليويًا على حساب الدولة".

حين يكشف معالي الصديق هذه الفضيحة، الا يشكِّل ذلك إخبارًا للنيابة العامة؟ كم نحن نعيش في دولة غنية ومقتدرة ليكون بإمكانها تقديم هبة لحفنة من موظفي القطاع العام بمعدل ستين مليون دولار في السنة.

تذكّروا هذه الواقعة:

في إحدى الدول الأوروبية، اضطرت إحدى الوزيرات إلى تقديم استقالتها لسبب استراتيجي:

دفعت ببطاقة الإئتمان الخاصة بالحكومة مبلغًا من المال لملء خزان سيارتها بالوقود، بسبب عدم حملها لبطاقتها الخاصة، ثم اعادت في اليوم التالي المبلغ، لكن السيف سبق العزل فاتُهِمَت بالإهمال واضطرت الى تقديم استقالتها.

أين نحن من هذه المقارنات؟

حفنة من "السنتات" من بطاقة ائتمانية في اوروبا تُطيح إحدى الوزيرات.

ملايين الدولارات "تنفيعة" لموظفين رسميين في لبنان، لا تهز ضمير أحد، فعن أي بلد تتحدثون؟ وعن أية دولة تتحدثون؟

***

عيِّنة ثانية من الهدر والفساد واللامسؤولية:

اساتذة ​التعليم الرسمي​ يحصلون على منح دراسية لتعليم ابنائهم في المدارس الخاصة!

كيف تصح هذه المعادلة؟ كيف يعلِّمون في ​المدارس الرسمية​ فيما ابناؤهم في المدارس الخاصة؟ ألا يثقون بالمدارس التي يعلمون فيها؟

هذا الأمر لا ينطبق فقط على الاساتذة في التعليم الرسمي، بل على موظفي القطاع العام الذين يتقاضون منحا لتعليم ابنائهم، وحين يدرِك الرأي العام ان عدد موظفي القطاع العام يتجاوز الربع مليون موظف، عندها يُدرِك حجم ما تتكبده خزينة الدولة من جراء هذه الأعباء.

***

ومن أبواب "الهدر المقونن" استئجار أبنية ومقرات لمصلحة إدارات رسمية ووزارات فيما الدولة تملك عقارات شاغرة ولديها فائض في الأبنية لكنها لا تستعملها، ما يعني ان الإستئجار الهدف منه "التنفيعات"، وعلى غرار "الضرورات تبيح المحظورات" فهناك "الإيجارات التي تتيح التنفيعات".

فعلى سبيل المثال لا الحصر هناك أملاك للدولة تناهز الـ 250 عقارًا شاغرًا في العاصمة، وبدلاً من ان تستعملها، فإنها تعمد إلى استئجار مبانٍ ومكاتب بأسعار

باهظة وفي مناطق تُعتبر الأغلى في لبنان ك​وسط بيروت​ وكليمنصو ورأس بيروت والقنطاري والحمرا وفردان والصنائع.

أما لماذا الإصرار على الاستئجار في هذه المناطق، فلأن "اصحاب الملك" هم من المتنفذين، والإيجار للدولة هو أفضل "بيزنس" أو استثمار، لأن الدولة لا تتلكأ عن الدفع.

يكفي ان يعرف المواطن ان كلفة هذه الإيجارات، وفق ما هو مثبت في أحدث موازنة عامة، يتجاوز الـ 115 مليار ليرة، أي ما يقارب الـ 80 مليون دولار! أليس بالإمكان توفير هذا المبلغ من خلال التخلي عن هذا "الإيجار التنفيعي". واستعمال العقارات الشاغرة للدولة؟

***

وحده ​الرئيس ميشال عون​ يستطيع قيادة مسار "وقف نهب الدولة" وإلا فكيف لدولة ان تقوم وهي تأكل نفسها بنفسها؟