تشكل الحرّية الإعلاميّة عنوانا أساسيا من عناوين حريّة التعبير التي شدد ​الدستور اللبناني​ على احترامها في مقدّمته، وما نص عليه الدستور لا يخضع لتقديرات قضاة أو أجهزة أمنية وغيرها، بل هو "فرض" على الجميع احترامه، وحمايته.

تعاني الحرّية الإعلاميّة في لبنان من السيف المسلّط عليها من قبل النافذين، اذ لم تعد حريّة العمل الصحافي مصانة، خصوصا بظلّ وجود قضاء لا يجد حرجا من استدعاء الصحافيين يوميًّا.

يصبح وضع الصحافيين أسود مع مرور السنوات، بينما كان يفترض أن نتقدم أكثر في مجالات حماية حرّية التعبير عن الرأي وحرّية العمل الإعلامي، ولكن يبدو مع زيادة وسائل التعبير، الالكتروني خاصة، تتجه الامور نحو مزيد من القمع. في هذا السياق يشير محامي ​مؤسسة مهارات​ ​طوني مخايل​، الى أنّ الملاحقات تزداد مع ازدياد عمليات النشر الالكتروني، ومع اختلاف ثقافات المسؤولين في السلطة.

يرى مخايل في حديث لـ"النشرة" أنّ المشكلة الأساس التي تعيق تطور الحرّية الإعلاميّة في لبنان تنقسم الى نقطتين، الأولى تتعلّق بالقوانين التي مرّ عليها الزمن، والثانية تتعلّق بالثقافة. ويضيف: "إن القوانين غير قادرة على مواكبة التطورات، كما أنها تشدّد على واجب الصحافي بتحمّل "عبء الإثبات" ويتحوّل الى قاضي تحقيق يقدّم كل الاثباتات، فالقاضي لا يريد أن يقوم بأيّ مجهود ويريد من الصحافي الّذي لا يمتلك كل موارد المعرفة لأسباب عديدة قانونيّة، ان يثبّت الاتهام لأحد ما، بدل أن يكون هذا العبء على عاتق الإدارة التي يجب أن تتحرّك عندما يقدّم إليها الصحافي معلومات قيّمة، مع العلم أنه حتى يقوم بهذا العمل فإنّ المسؤول يكون أقوى منه قضائيًّا، وتتحوّل الملاحقة باتجاهه".

"المطبوعات"... فقط

من جهتها تشير الناشطة في مركز الدفاع عن الحريّات الإعلامية والثقافيّة "سكايز" وداد جربوع الى أن وضع الحريّات بشكل عام تراجع كثيرا في العامين المنصرمين، ومن ضمنه الحريّات الإعلاميّة حيث باتت أرقام الصحافيين امام القضاء كبيرة. وتضيف في حديث لـ"النشرة": "نحن لسنا ضد مبدأ المساءلة للصحافي أو غير الصحافي ولكن لا يجوز أن يتم استدعاء الاعلامي والصحافي للتحقيق أمام الأجهزة الأمنيّة المختلفة، بل يجب أن يتم الالتزام بتطبيق القانون ومساءلة الصحافي أمام ​محكمة المطبوعات​ فقط".

وفي سياق متصل يلفت مخايل النظر الى أن الصحافي الذي يسأل عن املاك أحد المسؤولين يتعرّض للملاحقة لأنّ القانون يرى بسؤاله "ذمّا"، وهذا ما أدّى لغياب الحماية عن الصحافي، ويوصل الى ملاحقته كيديًّا، الأمر الذي يحصل بكثرة في هذه الأيام. اما بالنسبة للثقافة، فإن المسؤول يجب أن يتمتّع بصدر رحب، اذ لا يمكن لكل مسؤول أن يدّعي على منتقديه حتى ولو كان الانتقاد قاسيًا.

"يجب على الصحافي أن يعرف حقوقه التي يضمنها القانون"، تقول جربوع، مشيرة الى أن الصحافي الذي يستدعى للتحقيق من قبل الأجهزة الأمنيّة عليه أن يرفض الامتثال لانّ القانون يكفل له هذا الحق".

اصطدام الطلاب بالواقع

"في الجامعات يتمّ تعليم طلاب الإعلام على ممارسة الحرّية المسؤولة وليس الحرّية المطلقة"، يقول مدير كلية الإعلام السابق في ​الجامعة اللبنانية​ ​رامي نجم​، مشيرا الى أن ممارسة الصحافي حريته المسؤولة تعني التعبير بحرّية أيّ باستقلاليّة عن التبعيّة الطائفيّة والسياسيّة والحزبيّة.

ويضيف نجم في حديث لـ"النشرة": "ان الواقع اليوم يختلف عمّا يتعلمه الطلاب بالجامعات، اذ يصطدمون بقوانين بالية، وممارسات بوليسيّة أحيانا، تجعلهم يعيدون التفكير بما تعلّموه، الأمر الذي يحوّل مهنة الإعلاميين من مهمّة صناعة الرأي والوعي الى تبعيّة عمياء للمسؤولين خوفا من الحساب". ويدعو نجم الى قوننة حماية الصحافي، وإقرار ​قانون الاعلام​ الجديد بالتعديلات المطلوبة لضمان حقّ وحريّة الصحافي في التعبير ضمن إطار الحرّية المسؤولة طبعا.

لا شكّ اننا لسنا في موقع الدفاع عن المسيئين، بل عن الحقّ بالتعبير الاعلامي الحرّ الذي يكفله الدستور، فإلى متى سيبقى الصحافي تحت رحمة المسؤول والقضاء والأجهزة؟!.