أكّد رئيس "​حزب القوات اللبنانية​" ​سمير جعجع​ أنّ "أصعب التجارب تعرَّض لها خلال فترة الحرب. فالحرب تُعرّض الإنسان لتجارب هائلة، إذ تكون حياته على المحك، وأحيانًا عليه أن يتّخذ قرارًا معيّنًا بأجزاء من الثانية وإلّا يموت"، لافتًا إلى أنّه "لا يمكن مقارنة تجارب الحرب بأوقات السلم".

ورأى في مقابلة إذاعية أنّ "لا تعارض أو تناقض بين إيمانه العميق ومشاركته في الحرب والمعارك، أو بين صوت يسوع "لا تقتل" وصوت القائد وواجب الدفاع عن شعبه. ففي أحيان كثيرة تقوم مغالطات و"لخبطة" في المستويات والأطر والمفاهيم"، مركّزًا على أنّ "طبعًا يسوع قال "لا تقتل"، بمعنى ليس إن اختلفت مع جارك على "مكسر الميّ" أو كنت طامعًا بماله، تذهب وتقتله. هذا هو إطار وصية "لا تقتل". لكن أهمّ ما قاله يسوع، والأهم إن كان المرء مؤمنًا، هو الإيمان بالحياة وضرورة حماية الحياة على وجه الأرض".

ونوّه جعجع إلى أنّه "إذا كان أحدهم مارًّا على الطريق ورأى جريحًا على طرفها، ماذا يقول إيمانه؟ أن يقترب ويخلّص هذا الجريح فورًا. وهذا أبسط مظاهر الإيمان. فماذا إذا رأى مجتمعًا بكامله جريحا ويتعرّض في حياته؟ فمن الإيمان والواجب أن نهبّ للدفاع عنه".

وبيّن أنّ "كلّ الّذين شاركوا بشكل من الأشكال في الحرب، أيّ الّذين صمدوا في بيوتهم أثناءها رغم الظروف الصعبة لكن بإيمانهم، هؤلاء عملوا كما يجب أن يعملوا. الباقون لم يقوموا بما كان واجبا عليهم"، مشيرًا إلى أنّ "الّذين أُتيح لهم أن يحملوا بندقية للدفاع عن المجتمع، هؤلاء هم أكثر من استطاعوا عيش إيمانهم، لأنهم جسّدوا إيمانهم فعلًا".

وفسّر أنّ "الّذي يحمل ​السلاح​ لأمور شخصية، هذا تصحّ فيه وصية يسوع "لا تقتل"، وليس الّذين يحملون السلاح لقضية عامة، للدفاع عن الحياة وعن مجتمعهم. لذا فإنّ أوّل عمل يقوم به الإنسان دفاعًا عن الحياة هو الدفاع عن عائلته وعن وطنه، لا كما يقول البعض نحن لا نحمل سلاحًا بالمطلق". ووجد أنّ "هذه المقولة تصحّ في الأطر والأيام العادية، وليس إذا كانت هناك حياة بشرية معرّضة للخطر، فكما يحمل رجال الأمن السلاح للدفاع عن حياة الناس، هكذا تمامًا في زمن الحرب".

كما لفت جعجع إلى أنّه "لو كان من يقولون هذا الكلام موجودين في زمن الحرب، ليروا كيف كانت المناطق والبلدات اللبنانية تسقط الواحدة تلو الأخرى، والناس يموتون ويُهجَّرون، لما قالوا هذا الكلام"، معلنًا أنّ "في الحقيقة، أعتبر أنّ حمل البندقية في زمن الحرب للدفاع عن الحياة وعن المجتمع وعن الوطن، وأن يضع الإنسان نفسه في خطر لكي يحمي مجتمعه، كان أبرز وجه من أوجه ترجمة الإيمان".

وذكر "أنّنا حين علمنا أنّهم قادمون لاعتقالي عام 1994، تكوّنَت حلقات عدّة للتفكير بالموضوع، وجلسنا نفكّر بما هو الأفضل. لكن ليس حلقات التفكير هذه الّتي دفعتني لاتخاذ القرار بالاتجاه الّذي أخذته. إنّما بعدها، جلست ساعات لوحدي لأرى ما يجب فعله، وكان واضحًا بالنسبة لي ما يجب أن أقوم به، لأنّ بعد ذلك، كثر ممن حولي نصحوني بالرحيل خصوصًا أنّ ​السفارة البابوية​ قريبة، وبعدها إلى ​الفاتيكان​ ومن ثمّ أُقيم في ​إيطاليا​ أو ​فرنسا​ أو في أي مكان آخر".

وكشف خلال سرده وقائع من المرحلة الّتي عاشها، "أنّني لم أقبل على الإطلاق السفر، لأنّه كان هناك شيء ما يدلّني على ما يجب فعله، بغضّ النظر عن الحسابات المادية الصغيرة. هذا الشعور وعيته أكثر ممّا كنت مدركًا له في زمن الحرب"، مفيدًا بأنّ "كلّ زمن الاعتقال كنت أجلس مطمئن البال أنام قرير العين، لأنّني كنت واثقًا من خروجي من المعتقل. كان لدي قناعة داخلية لا أعرف مصدرها، فهي كانت تأتيني بعد التأمل والتفكير".

كما أكّد جعجع أنّ "خياره بالدخول إلى السجن والصمود كان من أهمّ مراحل حياته. هم كان بإمكانهم أن يطلبوني، لكن في الوقت عينه كان بإمكاني أن أرحل. وللإجابة على أسئلة البعض حول ما كنت أقوم به كلّ هذا الوقت في السجن، أجيب أنّها كانت مرحلة غنيّة جدًّا، وأيامي كانت مليئة كثيرًا".

وروى طرفة ليشرح انشغالاته: "زوجتي وحبيبتي ستريدا طلبت منّي في إحدى الزيارات، أن أفكّر بحلّ ما لإشكالية معيّنة كانت مطروحة، من ثمّ في الزيارة التالية بعد أيام، سألت إذا ما وجدت حلًّا للمشكلة، فأجبتها: "في الحقيقة لا، ما فضيت". واشار إلى أنّ "طبعًا لم يكن لدي لقاءات أو استقبالات أو وضع خطط أو خلاف ذلك، لكن كان لدي أشياء أخرى تأخذ كلّ وقتي، إلى حدّ كنت أتمنّى أحيانًا ألّا يكون لدي زيارات كي أبقى في الجو الّذي أنا فيه".

وعن مصدر هذا الإيمان، فصّل أنّ "الوزير السابق ​كريم بقرادوني​ كان يحاول ويقول لي إنّ الأفق مقفل وبالتالي يجب أن نفاوض النظام القائم سياسيًّا، ويقصد كي أخرج من الاعتقال. كنت أجيب: يا كريم، أنا أرى الأفق كما تراه مقفلًا، لكن هذا لا يعني أنّنا إذا كنّا نحن نراه هكذا، هو مقفل بالفعل. اليوم نراه مقفلًا، لكن لا نعرف بعد غد أو بعد أسبوع أو شهر أو سنة ماذا يوجد. وبالفعل، بعد هذا الحديث بأشهر وقعت عملية 11 أيلول، إذ تمّ تفجير البرجين في ​نيويورك​".

وبيّن جعجع أنّه "ربّما الأمر هو نتيجة مسار وتراكم طوال حياتي، إلى أن وصلت حيث أنا اليوم. بالطبع في وقت الاعتقال، تسارعت الخطوات، أي بات التراكم بشكل أسرع، لكنّي كنت على ثقة تامة أنّ ما أقوم به هو الصحيح وأنّ في نهاية المطاف لن يصحّ إلّا الصحيح. أمّا كيف ومتى وبأي طريقة، وأنّ أحداث 11 أيلول ستحصل وسيتغيّر وضع المنطقة بشكل كليّ، وسيُغتال رئيس الحكومة ​رفيق الحريري​، وستقوم القيامة إثر الاغتيال وسيخرج جيش ​النظام السوري​، فلا". وذكر "أنّني كنت واثقًا وأذكر بآخر مرافعة أدليت بها في المحاكمات أمام ​المجلس العدلي​ قلت فيها، دخلت بقرار سياسي وسأخرج بقرار سياسي. أمّا كيف ومتى وفي أي ظروف طبعاً لم أكن أعرف، ولا سألت ولا أسأل، وأكبر دليل ما حصل".

إلى ذلك، شدّد على أنّ "العمل السياسي اليومي والانشغالات الحزبية، خصوصًا مع توسّع وتمدّد "حزب القوات اللبنانية" بشكل كبير في القواعد والنواب والوزراء، لا يأخذ من حياته الروحية والصفاء الّذي بلغه. وهو يؤمن أنّ لدى الإنسان بُعد آخر أهمّ وأوسع وأكبر بكثير من بعده المادي"، شارحًا أنّ "في البعد المادي، يمكنه أن يعرف بقدر ما يتعلّم. أمّا في البعد الروحي، يمكنه أن يعرف كلّ شيء وأن يكون متّصلًا بوجدان الإنسانية كلها، وهذا ما يساعده لاتخاذ القرارات الصائبة في حياته العادية المادية".

وأوضح أنّ "استخدامه لبعض العبارات الدينية في مناسبات حزبية والحرص في ما يتعلّق بسلوك وزراء ونواب "القوات" المتميّز في ال​سياسة​ وممارسة السلطة والشأن العام، أو أخيرًا بنشره مقتطفات من وثيقة الأخوة الانسانية على "​تويتر​"، يعبّر عن رأيه ونظرته للأمور".

كما ركّز جعجع على أنّ "لكلّ موقع في هذه الدنيا عمله، وعملي ليس التبشير ولا أهدف له، ولا أجتهد في سبيل ذلك. إنّما أجتهد لأعبّر عن نفسي فقط بالطريقة الّتي أراها مناسبة"، لافتًا إلى "أنّني لن أعبّر عن نفسي مثلًا باستخدام عبارات من ​كارل ماركس​ لأنّها لا تعبّر عني، بل أستعين أحيانًا بعبارات ممّا أؤمن به ومتأثّر به. وحين أستخدم آيات من ​الإنجيل​، لكونها تصبّ في محلّها تمامًا في واقعة معينة أو إطار أو مناسبة معينة بالذات".

أمّا في ما يتعلق بوثيقة الأخوّة الانسانية، فوجد أنّها "ليست قصة دينية بقدر ما هي قضية إنسانية كبيرة جدا، وبمناسبة تاريخية".