ما هذا البلد الذي لا يحترم فيه بعض المسؤولين كلمتهم وتعهداتهم ووعودهم؟

ما هذا البلد الذي أكثر ما تنطبق عليه مقولة: "إقرأ تفرح جرِّب تحزن".

منذ مؤتمر "سيدر" منذ سنة تقريبًا، وعند كل حديث عن موازنات وصرفيات، أخذت كلمة

"سحرية" موقعها في التداول، وهي كلمة "تقشف"، وهي كانت أكثر من ذلك، إنها كلمة السر المطلوبة:

"شدوا الأحزمة" أو "تقشفوا".

هذه كانت نصيحة موفد الرئيس الفرنسي لمتابعة مقررات "سيدر"، ​بيار دوكان​، وهي أيضًا نصائح جميع الحريصين على خزينة الدولة، ومع ذلك، أين التقشف؟

***

جدول أعمال ​مجلس الوزراء​ يوم الخميس مؤلف من 54 بندًا، بينهم 17 بندًا "طلب سفر للمشاركة في مؤتمر أو ندوة أو معرض" والطلبات لوزراء أو موظفين من الفئة الاولى أو أساتذة جامعيين.

حين يكون ثلث بنود جدول أعمال مجلس الوزراء "طلب سفر"، فأين يكون التقشف؟ وكيف يكون التقشف؟

لماذا لا يُصار إلى التشبه بالخطوة الجريئة وغير المسبوقة لوزير التربية ووزير ​الصناعة​؟

فالوزيران المذكوران أصدرا بيانا مشتركا أعلنا فيه إصدار كل منهما قرارا بمنع سفر الموظفين في وزارتي الصناعة والتربية و​التعليم العالي​ وفي كل الإدارات التابعة لهما إلى الخارج على حساب الخزينة ال​لبنان​ية. ويصب القراران وفق بيان مشترك "في إطار ​سياسة​ التقشف ووقف الهدر في الانفاق والمحافظة على المال العام التي قرر ​الحزب التقدمي الاشتراكي​ المضي بها عبر وزيريه في ​الحكومة​، وفي إطار الرصد والتجاوب مع توجهات الرأي العام المتذمر والرافض لسفر المسؤولين والموظفين الحكوميين على حساب الخزينة، في ظل الأزمة الاقتصادية الخانقة والعجز الكبير في ​الموازنة​ والظروف المعيشية الضاغطة على غالبية اللبنانيين". وقد عللا قرارهما بالقول: "لما كانت البعثات الديبلوماسية اللبنانية موجودة في غالبية البلدان التي يشارك فيها الموظفون في نشاطات في الخارج، لذا يمكن أن يحضر رئيس أو أحد

أعضاء هذه البعثة هذه النشاطات من مؤتمرات أو اجتماعات أو معارض أو ما شابه، ومن ثم تزويد وزارتي الصناعة أو التربية تقريرا عن النتائج والمقررات بحسب المهمة وطبيعتها وموضوعها".

***

تريدون تقشفًا؟ الوزيران شهيب وأبو فاعور قدَّما عيِّنة، فماذا قدمتم أنتم؟

***

أعاد الرئيس عون التشديد على ان معركة ​الفساد​ بدأت ولا حصانة فيها لأحد، لافتا الى انه النموذج لاكبر متهم في لبنان لم يدافع عن نفسه، بل برأه ​القضاء​ وعلى كل متهم المثول امامه.

في هذه المعركة ليس هناك حصانة لأحد، وهذا ما يجب ان يعرفه الجميع. انا أول شخص كنت متهما في ​الجمهورية​ اللبنانية، وكان كلما طرح سؤال على المسؤولين في لبنان عن سبب ابعادي كان الجواب نفسه: اني متهم بملف مالي، و​القضاة​ الموجودون هنا يعلمون جيدا ان الملف فارغ. كنت بريئاً ولم أتوسط لأحد لإظهار براءتي.

***

وما يوازي مفاعيل التقشف، القرارات الحكيمة والواعية والتي تنم عن شعور بأوضاع البلد وكيفية مقاربة الملفات. ومن الشواهد على هذا الأداء ما يقوم به المدير العام للضمان الدكتور ​محمد كركي​ من خلال قرار تضمن حلولا لمعالجة أرصدة المؤسسات المدينة والفترات غير المسددة. وأشار القرار الذي جاء معللًا بالتفصيل، الى "ان المؤسسة التي سبق وحصلت على براءة ذمة شاملة أو محصورة نتيجة تفتيش شامل، بريئة الذمة تجاه الصندوق بشكل نهائي عن الفترة المشمولة بالتفتيش".

هذا دليل جديد، وغير مفاجئ، على ان مدير عام ​الضمان​ محمد كركي، يضع نصب عينيه مصالح المستخدمين ومصالح أرباب العمل على حدٍّ سواء.

الا تستدعي هذه الخطوة الإضاءة عليها والتشبه بالمدير العام الذي اتخذها؟