لفت رئيس أساقفة ​بيروت​ المطران بولس مطر خلال المشاركة بالقدّاس الإلهي في مناسبة عيد ​القديس يوسف​ شفيع ​مدرسة الحكمة​ في بيروت الخوري جان-بول أبو غزاله إلى أنه "كم يسعدنا أن نحتفل اليوم معكم، يا أهل الحكمة ويا أصدقاءها الأعزّاء، مثلنا في كل عام، بعيد شفيع الصرح الذي فيه تربّيتم صغارًا وعلقت به قلوبكم كبارًا. وقد اتخذت الكنيسة هذا الولي الكبير شفيعًا للمربين في ​العالم​ وشفيعًا للعائلات، وفيما بعد شفيعًا للعمال الذين يأكلون خبزهم بعرق الجبين. إنّه القديس يوسف حامي ​العذراء​ مريم وأب العائلة المقدّسة والمؤتمن من الأب السماوي على حراسة ابنه الوحيد، ربّنا ​يسوع المسيح​، الكلمة المتجسّد لأجل خلاصنا".

وأشار إلى أنه "في حال نظرتم إلى الصور التي تمثّل هذا القديس في الكنائس وفي دور العبادة، فإنّكم تجدون في يده زنبقة ترمز إلى طهارة نفسه، وهو الذي كرّس ذاته للرب وانبرى خادمًا له أمينًا لا يسأل سوى عن إرضاء خالقه وإتمام مشيئته. وها هو ​الإنجيل​ المقدّس يتكلم عنه، حين يوجّه الله إليه أوامر تتعلق بالرسالة التي أوكل بها إليه، فإذا به ينفّذ الأوامر مباشرة ومن دون تردد. يقول الله له لا تخف من أن تأخذ مريم امرأتك، بعد أن عرف أنّها حبلى، لأنّ المولود منها هو قدّوس، فأخذ امرأته إلى بيته. ويأمره الله بعد ​الميلاد​ بأن يهرب بالصبي وأمه إلى مصر، لأنّ هيرودس يريد أن يقتل الطفل الإلهي وهو في مهده. فيهرب يوسف إلى مصر مع العائلة المقدّسة. ثم يعود من مصر بأمر إلهي مماثل ويستقر نهايةً في الناصرة ليدعى يسوع بعدها ناصريًّا. ثم لا يزيد الإنجيل عن يوسف حتى ولا كلمة واحدة صدرت منه ولا يذكر له موته بل تبقى عنه صورة الخادم الأمين والقديس الطاهر القلب واليدين، محفورةً في قلب الكنيسة وفي قلوب مؤمنيها إلى الأبد وفيما نحن نستشفع اليوم هذا القديس الجليل، ونوافيه بالإكرام وبوافر العرفان والشكر لما قام به ضمن مخطط الخلاص الإلهي بيسوع المسيح، نسأله أن يستمدّ لنا من الله الذي يحبه والذي يسمع له، نعمة الاستقامة في حياتنا ونعمة الثبات على محبة الخدمة التي يطلبها الرب منّا، سواء أكانت كبيرة أم صغيرة، لأن خدمة الله شرف لا نستحقّه ولأن خدمة إخوتنا هي التعبير الأصفى عن محبتنا لله ولكل واحد يضعه الرب على طريقنا، فننال عمن خدمناه أجر العبيد الأمناء، والفعلة الصالحين".

وأضاف: "أنتم مسؤولون إذًا عن الحكمة كما نحن مسؤولون عنها، كل في مكانه وبقدر طاقتهٍ. وإني أكلّف حضرة رئيس المدرسة ومعه لجنة القدامى فيها أن يدعوكم من جديد إلى إحياء زمن جميل لها اليوم وغدًا يكون خليقًا بها وبعطاءاتها الغزيرة، أمّا الوصية الثانية التي أود أن أوجّهها إليكم فهي وصية خدمة الوطن من قبل كل منكم ومن قبل جميع المواطنين، بما يوفر ل​لبنان​ العزيز ما يحتاج إله من قدرة على حمل مسؤولية الرسالة التي حمّله الله إيّاها وهي رسالة العيش الواحد الكريم الذي يحتاج إلى مَثَله الشرق والغرب معًا على ما أكّده ​البابا​ القديس يوحنا بولس الثاني، صديق لبنان ونصيره كما لا أحد. وقبل أن نفصّل مجالات الخدمة التي يجب أن نؤديها إلى وطننا المفدى، نتوقّف على نوعية هذه الخدمة التي يجب أن تُستمد من نوعية الخدمة التي أداها القديس يوسف في حياته، وهي الخدمة السخيّة من دون حساب، والتي لا معايير لها سوى ​المحبة​ المجانية وغير المتوقّفة عند حد. فكيف نخدم وطنًا نريد الاستفادة منه فرديًّا وطائفيًّا وحسب ولا نقبل أن نضحي من أجله كوطن لجميع أبنائه على السواء".

وتابع المطران مطر: "بكل محبة نلفت إلى التطورات التي عرفناها في الحقبة الأخيرة من حياة البلاد. فلقد ركّزنا على الشراكة الحقيقية وضرورة تأمينها في العمل العام لأنها علامة من علامات احترام بعضنا لبعض وقبول أحدنا الآخر قبولاً فعليًّا وليس بمجرد الكلام. وقد تقدّمنا في هذا الاتجاه عندما رأينا أن هذه الشراكة راحت تضعف عن قصد أو عن غير قصد على أثر التسوية التي وضعت حدًّا في ​الطائف​ للحرب الأخيرة ودفعت بالوطن نحو السلام و هكذا وعلى سبيل المثال تم إصلاح ​قانون الانتخابات​ النيابية وهكذا تشكلت الكتل في المجلس ممثلة شرائح المجتمع تمثيلاً أقرب إلى واقع الشعب، فتأمّنت شروط الشراكة المتوازنة والمتساوية. لكننا فوجئنا بعد كل هذه الإصلاحات بأن الأمور لم تتقدّم كما كنّا نبتغي ونريد وما زلنا نتخبّط بالانقسامات الحادّة على أنواعها. لذلك يجب السؤال عما ينقصنا بعد لإنقاذ بلادنا والسير بها نحو الحكم الصالح. أمّا الجواب فقد يكون في تنبّهنا إلى شرط أساسي ثانٍ موازٍ لشرط الشراكة الحقّة، يجب أن يتأمّن هو أيضًا ليسلم لبنان. هذا الشرط هو الاهتمام بوحدة البلاد وباحترام مصالحها العليا التي تؤمّن الخير لجميع الأطياف ولا تُبعد عنه أحدًا. والحال أنّنا ما زلنا على خلاف في تقدير هذه المصالح وفي خدمتها الخدمة الصحيحة؛ وكأن كلاًّ منّا يشدّ إلى صدره، غير آبهٍ بأننا نبحر في مركب واحد يجب ألاّ يتعرّض للغرق بكلّ من فيه، لا سمح الله ولا أذن. وأنتم يا أهل الحكمة لقد كنتم وما تزالون سبّاقين في خرق حدود ​الطوائف​ وصولاً إلى تبنّي مصالح لبنان الواحد، والمتنوع في آنٍ. فلا التنوع يصان على حساب الوحدة ولا الوحدة تسلم على حساب التنوع. إنّه قدركم أن تكونوا في هذا السبيل خلاّقين وأن تكونوا لإخوانكم محبين بكل أمانة وكل إخلاص".