لفت رئيس أساقفة ​بيروت​ وليّ الحكمة المطران بولس مطر في مناسبة اختتام المدرسة احتفالاتها اليوبيليّة في مناسبة مرور 25 سنة على تأسيسها إلى "اننا نشكر فخامة الرئيس العماد ​ميشال عون​ مشاركته لنا في اليوبيل الفضّي لمدرسة الجكمة ​هاي سكول​، ممثلًا بيننا بالسيدة كلودين عون روكز. نصلّي على نيّة مخامته ليمدّه الله بالعافيّة ويعطه كل النعم التي هو بحاجة إليها ليقود البلاد إلى شاطىء الآمان بعزم وحزم وبمحبّة ونشاط"، مشيراً إلى أن "هذه الدعوة الخاصة والمأخوذة من ​الكتاب المقدس​ في عهده القديم، نطلقها عندما يُحلّ الربّ بركته على مشروع من مشاريع البشر وعلى مدى حقبة من الزّمن، ونوجّهها إلى جماعة من الناس قاموا في حياتهم وبفعل إلهام من ربّهم بمبادرات لها صفة الاستمرار في التاريخ، وقد أعطت ثمارًا متّنت في أصحابها القدرة على الاستمرار في العطاء وعمل الخير. إنّها وقفة روحية تأتي بعد مسيرة من العمل والتحقيق، وتسمح لأولئك الذين عملوا وحققوا أن يشكروا الله على ما أنجزوا في فترة معيّنة من زمنهم، وأن يتطلعوا نحو الأمام بغيّة استكمال العمل في سبيل قضيّة نذروا أنفسهم لها أو من أجل الإسهام في رفع شأن الحضارة الإنسانية المتكاملة أو في الخلاصة من أجل بنيان ملكوت الله".

وأشار إلى أنه "في هذا الإطار الكتابي المبارك نقف معكم مثل هذه الوقفة الجميلة، بعد مرور خمس وعشرين سنة على إنشاء هذه الصرح الأخير من سلسلة مدارس الحكمة العزيزة. وقد أقامتها ​أبرشية بيروت المارونية​، واحدة واحدة، بدءًا من المدرسة الأم التي زُرعت في عاصمة ​لبنان​ قبل أن تتخّذ بيروت صفة العاصمة ونمت فيها منذ ما يقارب القرن ونصف القرن من الزمن، كما ينمو الصديقون وكما ينمو خالدًا أرز لبنان. وكان للأبرشية التي التزمت منذ أواسط القرن التاسع عشر نشر الرسالة ​المسيحية​ في محيطها الأقرب والأوسع عبر الثقافة والعلم، والانفتاح على حضارات الشعوب، أن تتوج مؤسّساتها التربوية كافةً، بعد انجازها المدرسة الأخيرة، هذه، برفع ​البناء​ الجديد ل​جامعة الحكمة​ التي تأسّست مع المدرسة الأمّ في العام 1875 والتي استعيد العمل فيها ضمن إطارها الحديث منذ ما يقارب العشرين من السنوات وقد يكون من الصعب الكلام عن ​مدرسة الحكمة​ - هاي سكول بصورة منفصلة عن المؤسّسات التربوية التي نذكرها معها في يوم يوبيلها المبارك. فهذه المؤسّسات كلها نبعت من الحرص على خدمة ​الإنجيل​ عبر العمل التربوي الشامل، وفي إطار نقل أجيالنا المتعاقبة من عالم المجتمعات الزراعية التقليدية إلى عالم الحداثة الذي يزداد مع الأيام تطورًا واتّساعًا، فنسجّل في هذا المجال أن أبرشية بيروت قد أنشأت عبر الحكمة أوّل مدرسة مارونية ثانويّة في تاريخ كنيستنا لخدمة العلمانيين، بعد أن عرفت هذه الكنيسة مدرستين تاريخيتين سابقتين في خدمتهما لسائر الشرق ألا وهي مدرسة روما التي أقامها الحبر الأعظم في العام 1586 لتعليم الاكليروس الماروني، وتهيئته للرسالة السامية التي دُعيت كنيستهم إليها، ومدرسة عين ورقة في غوسطا في العام 1789، أيّ بالتزامن مع انظلاق الثورة الكبرى في ​فرنسا​. وهكذا كان لأبرشيتنا أن تنشئ أول صرح جامعي في تاريخ كنستنا وذلك بما يقارب المئة العام قبل إنشاء أيّة جامعة لها فيما بعد. وعلى الرغم من كل ذلك، تبقى لمدرسة الحكمة هاي سكول حيثيات خاصة دعت إلى تأسيسها ورافقت عملها ورسالتها منذ إنشائها حتى الآن. فكانت لأخينا وسلفنا المباشر المثلّث الرحمة المطران خليل أبي نادر هذه الخطوة والشجاعة، وقد أقدم عليها في بداية التسعينات من القرن الماضي ليفتح للحكمة أفاقًا جديدة من التربية والتعليم ب​اللغة​ الانكليزية كلغة أساس إلى جانب العربية والفرنسية، وليتبعها قرار آخر شجاع باعتناق البكالوريا الدولية التي من شأنها تهيئة النشء على التاقلم في أيّ بقعة من بقاع الأرض وفي أي إطار من أطر الحضارات، بفضل توفيرها ثقافة مضافة تمكّن الطالب من التأقلم مع الظروف التي سيعرفها في سائر المجتمعات التي قد يتواجد فيها، في أيّ يوم من الأيام".

وأضاف: "إنّ هذا المنحى الذي اتخذته مدرسة الحكمة هاي سكول قد ساعدها على إذاعة خبرها في كل الأوساط اللبنانية والعربية المحيطة، فدخل إلى صفوفها طلاب من المناطق اللبنانية كافة، ومن الدول المحيطة ك​العراق​ و​سوريا​ و​الأردن​، والعربية ​السعودية​ وسواها، كما تسجّل فيها أبناء وبنات لسفراء عديدين معتمدين في لبنان ووافدين إليه من أقطار الدنيا، في مشارق الأرض وفي مغاربها. فتوصل ​الطلاب​ فيها إلى الانتماء إلى أكثر من أربعين دولة، رُفعت أعلام كلّ منها في بهو المدرسة، ما دلّ ويدلّ على خدمة تربوية للحكمة باتت عالمية الأبعاد وعالميّة الانتشار في آنٍ معًا. لكن هذا النجاح في الانجازات التربوية الكبيرة لم يبعد المدرسة عن التعلّق بلبنان ولا عن التأكيد بأن رسالة هذا الوطن هي الأكثر ملاءمة للتربية ​العالم​ية المنحى، وذلك بفعل حوار الحضارات الذي يقام فيه بصورة عفويّة والذي يتقدم بفعل انفتاح الأديان فيه بعضها على بعض وممارستها تحت ألوية ​المحبة​ والاحترام المتبادلين. هكذا نما طلاّبنا في هذه المدرسة على محبة لبنان وعلى تقدير دوره في المنطقة والعالم. وهكذا مكثت المدرسة وفية لتراث الحكمة العام من حيث التمسّك باللغة العربية دلالة على اندراج لبنان في محيطه الواسع وعلى الدور الثقافي الذي يقوم به في سبيل إخوانه العرب في كل أقطارهم. وهكذا استمرّت المدرسة أيضا على تربية النشء فيها على محبة الله والإيمان بالقيم السامية التي تثبتها هذه المحبة في القلوب وعلى التعرف على الآخر والتعامل السوي معه بإخلاص أكيد، غير أن هذا الإنجاز الذي تفخر به الأبرشية ويفخر به ​اللبنانيون​ الذين أفادوا من ثماره الإفادة ​الطيبة​، ما كان ليتحقّق لولا كوكبة من المعلمات والمعلمين، ومن الإداريات والإداريين الذين وقع اختيار المدرسة عليهم؛ وهي لا تسأل في اختيارها لهم إلاّ عن التفوّق في العلم وعن الأصالة في القيم والأخلاق، إلى جانب إيمان حيّ لديهم برسالة الكنيسة الأبرشية عبر مدرستها هذه وسائر ​المدارس​ المنتمية إليها. ولقد ألهم الله سلفنا الصالح المطران المؤسّس إلى اختيار فريق من الكهنة ليكونوا على رأس الإدارة في هذه المشروع المميّز والواعد في آنٍ معًا. فأوفد إلى هذه الخدمة كلاًّ من الآباء سوفور الخوري وادغار ماضي و​بولس عبد الساتر​ ، وبرئاسة أوّلهم وهو من بينهم الأكبر سنًّاوكان هؤلاء الآباء قد قصدوا جميعًا ​الولايات المتحدة​ وكندا لتحصيل شهادات إضافية في التربية كما في علم الاجتماع والإدارة. وكان لكلٍّ منهم عطاءاته في المدرسة وفي خارجها فيما بعدـ إذ وقع الاختيار على الخوري ادغار ماضي، بعد ترأّسه المدرسة لخمس سنوات لدى تنحي الاب سوفور عن رئاستها، ليُرسم مطرانًا على ​الموارنة​ في ​البرازيل​ التي صارت وطنًا جديدًا لأكثر من ثلاثة ملايين منهم ولأكثر من ثمانية ملايين من اللبنانيين بكل طوائفهم. ثم وقع الاختيار على الخوري بولس عبد الساتر لينتخب مطرانًا نائبًا للسيد البطريرك في ​بكركي​، فصار كلاهما فخرًا للأبرشية وللكنيسة المارونية وللبنان. أمّا المونسنيور سوفور فهو الذي استمرّ أكثر من تسع سنوات رئيسًا للمدرسة والذي طبعها بشخصيّته المحبة والوادعة من جهة وبالتشدّد من جهّة أخرى في فرضه الإنتظام العام بما يعود إلى خير المدرسة وطلاّبها الأعزّاء. فإلى المونسنيور سوفور شكرنا الخاص وشكر الأبرشية وجميع الطلاب والأهل الذين أفادوا من حكمته ومن الجهود الجبّارة التي بذلها ليوصل المدرسة إلى أعلى درجات النجاح بين المدارس التي تعتمد في لبنان الانكليزية لغة أساسيّة في تربية طلاّبها".