زارنا وزير الخارجية الاميركي مايك بومبيو، فكان اللغط، وكانت الفوضى، وتلجلجلت التقاليد الديبلوماسية في الاستقبال، والسلام والكلام ، وربما ادخر بومبيو رسالته القوية ليطلقها من منبر وزارة الخارجية، لعلمه أن منبر الوزير جبران باسيل أكثر سمعًا في هذا الزمان وأكثر توصيلاً لبعيد الآذان، ورد عليه وزير خارجيتنا فكانت مبارزة بين الألسنة فيما القلوب في صمم تام.

قبله جاء وزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف واعتلى المنصة ذاتها، ووجه رسالته المحفوظة التي تشترك بالشكل مع رسالة زميله الأميركي لجهة اهتمام كلتي الدولتين بمصالح لبنان وسلمه الأهلي، فيما يتنافر المضمونان الى درجة ارتجاج المنبر وانفصامه، فكل يخطب ود ليلى بعسل اللسان وفظ الممارسة.

كيف للسيد بومبيو أن يطالب الشعب اللبناني بالانضمام إليه من اجل هزيمة ايران، في الوقت الذي انجزت فيه ايران ما أنجزت، سياسياً وإقليمياً بتصميم منهجي، لم يحل دون تقدمه التهويل الأميركي والعقوبات المالية والاقتصادية.

لا ينبغي لنا ان نتعامى عن واقع ملموس وهو أن «حزب الله» صار المرجع الفصل في مفاصل السياسة اللبنانية، لأنه المنظم المسلح، والممسك بزمام المبادرة، وله حلفه القوي، ونشاطه الاقليمي ومركزه في المعادلة الدولية الأمر الذي جعل سياسة النأي بالنفس ستاراً شفافاً لحقيقة فاقعة، نحاول من خلاله الحفاظ على ما تبقى من مظاهر الدولة ومصالحها الداخلية والخارجية.

السيد بومبيو يعلم تمام العلم أن طلبه من أركان الدولة اللبنانية غير قابل للتنفيذ، ولكنه يستضعفنا فيصفنا كما وصف الطيب لأبي العلاء لحم الديك، فخاطبه قائلاً: استضعفوك فوصفوك، فهلا وصفوا شبل الأسد؟!، علماً أن ضعفنا هذا متأت بالدرجة الأولى، من ضياع النظرة الوطنية الجامعة، حيث تبدد بهذا مفهوم الدولة أو كاد، وتحول من حده الأدنى كمجموعة مصالح، إلى ما يشبه المنبر، يعتليه الحكوانية ليهددونا ويقضّوا مضاجعنا، ثم يرحلون بعدما خلفوا وراءهم ضجيجهم رهبة وقلقاً.

ابشع المفارقات في تلك الزيارة أن رسالة وزير الخارجية الاميركية، تزامنت مع اعلان رئيسه تطويب الجولان للدولة المحتلة، وهو في هذا يبيعنا حشفاً ويسيء كيلتها.

كل ما أستنتجه ان المتحدث باسم سيد البيت الابيض، يؤكد لنا مجدداً أن الصراعات الاقليمية تطيب مذاقاً للولايات المتحدة، لأنها لا تنفق فيها مالاً او رجالاً، بل تستغلها بلا عناء، لتُثَمِّرَ الخوف والقلق العربيين بوعد الحماية الوهمية، فيما الخراج يعود اليها نفطاً وسوقاً، وكذلك مزيداً من الاراضي المغتصبة، تهديها لدولة اسرائيل.