لم تدم ​الهدنة​ بين "​التيار الوطني الحر​" و"​القوات اللبنانية​" طويلا. فالمواجهة التي اتخذت طابعا صامتا مع انطلاق العمل الحكومي بعد مرحلة صاخبة مرت بها خلال عملية توزيع الحصص الوزارية، عادت لتتخذ اشكالا متعددة مع وضع خطة ​الكهرباء​ على طاولة ​النقاش​ والبحث. وبالرغم من الأجواء الايجابيّة التي سيطرت عشية طرح وزيرة الطاقة ندى البستاني خطتها التي أكدت مرارا وتكرارا انها لا تفرض البواخر حتى كحلّ مؤقت، الا ان هذه الأجواء ما لبثت ان تلاشت مع انتقاد رئيس حزب "القوات" ​سمير جعجع​ الخطّة بشكل علني، متحدثا عن "خطة نظرية لا تغيّر شيئًا" مشددا على أن المطلوب "خططًا عملية". وقد استدعى موقف جعجع هذا حملة ردود كبيرة من العونيين الذين ذهبوا بعيدا في اتهام "القوات" بالعرقلة وبالسعي للاطاحة بالخطة معتبرين انّ عرقلة الانجازات تندرج ايضا باطار ​الفساد​.

الا أن الطرفين يعولان على ان تتراجع حدّة هذه المواجهة مع انطلاق اجتماعات اللجنة الوزاريّة المولجة البحث بالخطّة مجددا بعدما كانت قد عقدت اجتماعا وحيدا. لكن المأخذ الاساسي لـ"التيار الوطني الحر"، بحسب مصادره، هو "مسارعة "القوات" للخروج عبر المنابر والاعلام لتوجيه السّهام الى خطّة تبيّن انهم لم يدقّقوا بها، وتساءلت المصادر: "كيف نفسّر اذا اصرارهم على انتقاد موضوع البواخر، وهو خيار لم يُفرض حتّى كحلّ مؤقت، اذ تركت الوزيرة البستاني الباب مفتوحا على خيارات شتى سيكون على ​مجلس الوزراء​ تحديدها". واضافت المصادر: "كل المؤشرات توحي بمخطّط قواتي بالحرتَقَة على الخطّة كي لا تسجل كانجاز للتيار الوطني الحرّ. اصلا هم وغيرهم حاربوا خططنا طوال المرحلة وأوصلونا لما وصلنا اليه، فقط لرفضهم ان يسمّى اصلاح وضع الكهرباء انجازا للتيار الوطني الحر. لكن فليعرف الجميع ان ما كان في السابق هو غير ما هو عليه اليوم. وما سكتنا عنه في المرحلة الماضية لن نسكت عنه الآن، لأنّ كل المعادلات قد تغيّرت والمعرقلون ليسوا بقادرين على مواصلة عرقلتهم نتيجة التوازنات ​الجديدة​ داخل مجلس الوزراء".

واذا كان العونيون متمسكون بخطتهم ولكنهم جاهزون في الوقت عينه لادخال التعديلات اللازمة عليها في حال كان هناك شبه اجماع على هذه التعديلات داخل مجلس الوزراء، فان أكثر ما يثير "القوات اللبنانيّة" هو اتّهامهم بالتصدّي لأيّ مشروع او خيار يتّخذه "التيار الوطني الحر" بهدف افشال العهد. وفي هذا الاطار، تتحدث مصادر "القوات" عن 3 مسائل أساسية تدحض هذه الأقاويل، اولا، التأكيد اكثر من مرة انه لولا وجود ​الرئيس ميشال عون​ في ​قصر بعبدا​ لما كان قد تم اقرار ​قانون الانتخاب​، الذي نعتبره انجازا مشتركا. ثانيا، الوقوف خلف رئيس الجمهوريّة ب​ملف النازحين السوريين​ والدعم لأيّ مبادرة يطرحها. وثالثا، تهنئتنا اي انجاز يقوم به اي وزير عوني وآخر مثال وقوفنا الى جانب وزير البيئة الذي نعتبره انه يقوم بدور اصلاحي. وأضافت المصادر: "لو اننا حقيقة نهدف لافشال العهد والتصويب عليه لما كنا نتحدث عن ايجابيّات ونضيء عليها. فمصلحتنا قبل أيّ طرف آخر ان ينجح هذا العهد كي نؤكّد لمنتقدينا صوابيّة خيارنا دعم وصول الرئيس عون الى سدّة الرئاسة".

ويعتبر القواتيون ان كل الملفات السابق ذكرها شيء، وملف الكهرباء شيء آخر، "فقد فشل العونيون فيه طوال السنوات الـ10 الماضية، ولا زالوا يريدوننا ان نقبل بالدوران بحلقة مفرغة، باتت تكلّف الخزينة أعباء لم يعد من الممكن السكوت عنها، في ظل ​الوضع المالي​ الدقيق جدا الذي نمر به". وتقول المصادر: "صحيح نحن اليوم رأس الحربة في مواجهة أيّ خطط غير صالحة وان كان اكثر من فريق سياسي يشاركنا وجهة نظرنا. نحن لم نرفض الخطة التي طرحتها وزيرة الطاقة بالكامل، لكن لدينا ملاحظاتنا التي يرفض على ما يبدو العونيون حتى سماعها، لذلك نراهم يحوّرون الخلاف ويأخذونه الى محاور أخرى".

وتشدّد المصادر على ان النقطة الاساس التي يرى حزب "القوات" انه يتوجّب الانطلاق منها هي معالجة الهدر في القطاع، والا كنا عبثا نضع الخطط، وتساءلت: "هل يصحّ ان يُرد علينا بالشتائم والتجريح فقط لأنّنا عبرنا عن رأينا ووضعنا ملاحظاتنا على خطّة نصرّ ان تكون خارطة طريق لحل هذه الازمة المزمنة التي نرزح تحتها"؟.

وبانتظار استعادة اللجنة الوزارية المعنيّة نشاطها، يُرجّح أن يهدأ السجال العوني–القواتي قريبا بمساعٍ من الطرفين لتهيئة الارضيّة اللازمة لإعادة النقاش تقنيًّا بعدما اتّخذ ابعادا سياسية وشخصية تهدّد بالاطاحة بكل الاجواء الايجابيّة التي تحيط بالعمل الحكومي منذ انطلاقته.