كان الرئيس الشهيد ​رفيق الحريري​ يَطرَب وتعلو الإبتسامة وجهه حين يدخل عليه زائر أو مسؤول أو مستشار ويقول له: دولة الرئيس، الناس يقولون إن "البلد ورشة".

لم يكن هذا الكلام تملقًا، "كانت الشمس شارقة والناس قاشعة"، كانت الورش في كل مكان:

سوليدير​، المطار، ​المدينة الرياضية​، ​اوتوستراد الجنوب​، اوتوستراد بيروت جونيه، وغيرها وغيرها من المشاريع الكبرى والوسطى والصغرى.

كان تأسيس الشركات على قدمٍ وساق، وكان الخريجون سواء من جامعات لبنان أو من جامعات الخارج يعودون إلى لبنان إما لفتح مكاتب وشركات وإما للعمل في مكاتب وشركات.

كانت مرحلة، بحق، تٌعتبر عصرًا ذهبيًا للبنان. لم يكن الناس يتأففون، الخبراء منهم كانوا يعرفون ان بعض نواحي الإعمار فيه "إفراط في التسعير"، كان الحديث قائمًا عن عمولات وسمسرات، ولم يكن هناك تحرك فعَّال للهيئات الرقابية، وهذه واحدة من عيوب المرحلة السابقة، لكن مع ذلك كانت الأعمال والاستثمارات والمقاولات أكبر بكثير من حديث العمولات والسمسرات.

***

أين نحن اليوم من كل ذلك؟

حين تصل ​نقابة المقاولين​ برئاسة المهندس مارون حلو إلى إطلاق صرخة تطلب فيها من الإدارات العامة عدم اطلاق مناقصات جديدة قبل تسديد كامل المستحقات المتوجبة على ​الدولة اللبنانية​ للمتعهدين، فمعنى ذلك ان الوضع وصل إلى الدَرْك الأسفل. نقيب المقاولين يطلب من المقاولين عدم المشاركة في المناقصات الممولة محليا حتى لا يؤدي ذلك الى مزيد من التدهور في قطاع المقاولات.

والسؤال الكبير الذي يُطرَح في كل مرحلة إعمار وتحديث ​البنى التحتية​ هو: "كيف يمكن ان تطرح الدولة مشاريع ضخمة للبنى التحتية ضمن مؤتمر "سيدر"، وهي غير قادرة على تسديد مستحقاتها السابقة والحالية للمقاولين، مما يؤدي الى ضرب صدقيتها؟".

والأعظم من كل ذلك ان التلكؤ، وبحسب النقابة، في دفع مستحقات المقاولين يؤدي الى تعثر كل القطاعات كالموردين وتجار البناء والمهندسين والموظفين والعاملين في هذا المجال.

يعني ذلك ما يلي: إن توقف عمل المقاولين من شأنه ان يؤثر سلبًا على قطاع البناء ما يعني شلل عشرات القطاعات ومنها: مكاتب الهندسة المعمارية، مكاتب الديكور الداخلي، قطاع المفروشات، قطاع المطابخ والادوات الصحية، قطاع الدهانات والألمنيوم والزجاج، قطاع الأقمشة والبلاط، أي بمعنى آخر معظم القطاعات الحرفية.

فهل يتحمل البلد هذا الشلل على عتبة مرحلة يٌفترض ان تكون مرحلة انطلاقة جديدة؟

***

النقيب الصديق المهندس مارون حلو في حركة لا تهدأ لنيل حقوق المقاولين ومتوجباتهم. فالمستحقات المترتبة لهم على الدولة، منها ما هو مزمن وقديم ويبلغ 130 مليار ليرة لبنانية، أي أقل من مئة مليون دولار بقليل، ويعود الى 10 سنوات. وأخرى جديدة وتبلغ نحو 200 مليون دولار، فضلاً عن تلزيمات جديدة بقيمة 100 مليون دولار لم تدخل بعد حيز التنفيذ .أي ان ما هو متوجب على الدولة للمقاولين يبلغ نحو 400 مليون دولار. فكيف ستتم عملية الدفع؟ هل تُدرَج هذه المستحقات في موازنة ​وزارة الأشغال العامة​؟ أم إن هناك آلية أخرى للدفع؟

***

لم يعد بإمكان المقاولين التحمل، فالمعلوم أن الدولة تعطي عادة سلفة للمتعهد تتراوح ما بين 10 و20 في المئة من قيمة تنفيذ المشروع، لكي يستطيع التجهّز ببعض المواد، إلا أن مواد البناء معرّضة لتغيّر أسعارها عالمياً، وهو ما ينتج فروقاً في أسعار تنفيذ المشروع في لبنان، وخصوصاً في المحروقات والحديد، وبالتالي يقوم المقاولون بالاستدانة من المصارف التي تقتطع إضافة إلى المبلغ المستلف فوائد تتراوح ما بين 2,5 و12,5 في المئة، وتتفاوت النسبة بحسب المتعهد والضمانات التي يقدمها للمصرف.

***

إذا لم تُدفع مستحقات المقاولين، كيف للبلد ان يتحرك إعمارياً؟