للمرّة الأولى منذ انفجار الخلاف بين جهات قضائية وأمنية على خلفية التحقيق في ملفات «الفساد القضائي»، حطّ هذا الملف بنداً على جدول أعمال ​المجلس الأعلى للدفاع​ أمس، تحت عنوان «تنسيق العمل بين القضاء والأمن»، إضافة الى بندَي ​النازحين السوريين​ وتهريب البضائع والأشخاص عبر المعابر غير الشرعية. و»توصية» رئيس الجمهورية ​ميشال عون​ في هذا السياق واضحة: طبّقوا القانون!

لم تنتهِ بعد المواجهة المفتوحة بين مفوّض الحكومة لدى ​المحكمة العسكرية​ القاضي ​بيتر جرمانوس​ و​قوى الأمن الداخلي​، واستطراداً «شعبة المعلومات». فقد استبق جرمانوس إجتماع المجلس الأعلى للدفاع بتوجيه كتاب الى قائد الدرك العميد ​مروان سليلاتي​، كلّفه فيه بإيداعه الأذونات المعطاة منذ العام 2015 بحفر آبار أرتوازية، ومخالفات البناء على أنواعها، وذلك ضمن مهلة أسبوع، إضافة الى إيداعه «صورة عن المحاضر التي نُظّمت في حق الذين لا يملكون الأذونات».

أتت هذه الخطوة من جانب جرمانوس إستتباعاً لاستنابة أصدرها الى ​الأجهزة الأمنية​ في 8 نيسان الجاري لإبلاغه عن رشاوى تقاضاها عسكريون في ملف الأذونات، وبالتزامن وفي اليوم نفسه كان ادّعى على «شعبة المعلومات» في جرم «التمرّد على سلطته وتسريب معلومات عن مضمون تحقيقات أوّلية، وتحوير هذه التحقيقات وتشويه وقائعها، واحتجاز أشخاص وتوقيفهم خارج المهل القانونية».

هذا «الإدّعاء» تحديداً لم يُطرح على طاولة المجلس الأعلى للدفاع. وعلى رغم تخصيص وقت للنقاش في مسألة «الجبهات المفتوحة» بين القضاء والأمن على خلفية ملفات الفساد المفتوحة، إلّا أنّ النقاشات ذهبت أكثر نحو العموميات، ولم يُصر بالتالي الى «محاكمة» «الشعبة» على تجاوزها صلاحياتها «باحتجاز اشخاص وتوقيفهم خارج المهل القانونية»، أو دخولها على خط ملف ​مكافحة الفساد​ «الذي لا يدخل ضمن مهماتها الأمنية»، في رأي راصديها.

وبعدما تناوب المعنيون بملف تحقيقات ملف الفساد في العدلية على الكلام وعرضوا ما لديهم من وقائع، كانت توصيات عون واضحة: العودة الى النصوص والأصول، وضرورة تطبيق القانون في ما يخص مراحل الاستدعاء والتحقيق والتوقيف، على أن لا يحصل أيُّ توقيف إلّا بإشارة ​النيابة العامة​، وبحيث لا يتخطّى التوقيف الـ 48 ساعة، إلّا إذا صدرت مذكرة توقيف في حقّ الشخص المعني وفي هذه الحال يتمّ الالتزام بالمهل القانونية التي تتيح التوقيف لمدة أطول، على أن يكون الأمن في خدمة القضاء وليس العكس.

وشدّد عون على أهمية التنسيق بين الأجهزة القضائية والأجهزة الأمنية كضابطة عدلية، وذهب الى حدّ تأكيد ضرورة عدم تصادمها، فيما قدّم المدّعي العام التمييزي ​سمير حمود​ مطالعة قانونية في شأن الاجراءات المتّبعة في سياق ملفات الفساد المفتوحة، كذلك فعل وزير الدولة لشؤون ​رئاسة الجمهورية​ الوزير ​سليم جريصاتي​.

وفيما يجزم البعض أنّ تحرّك جرمانوس أتى من ضمن النزاع المفتوح مع «شعبة المعلومات»، والذي يطاول مباشرة المدير العام ل​قوى الامن الداخلي​ ​اللواء عماد عثمان​ الذي سار على درب مَن سبقه في منح الأذونات الاستثنائية في حفر الآبار وأعمال البناء، فإنّ مطّلعين يؤكدون في المقابل أنّ «خطوة جرمانوس، إن كان في موضوع الإدعاء على «المعلومات» أو فتح «ملف الأذونات»، تهدف الى وضع حدٍّ للتمادي في مخالفة القانون. فالتوقيف له أصوله وأيُّ توقيف يتخطّى المهل هو مخالفة صريحة للقانون، أما في موضوع الأذونات المعطاة من جانب المدير العام فهي تأخذ من درب الوزارات المختصة وتُخسِّر خزينة الدولة أموالاً، وهي مخالفة للقانون ولها تأثيراتها السلبية على أكثر من مستوى، خصوصاً البيئي، حتى لو دَرَج عليها المدراء العامون».

عملياً، «توليفة» الأذونات، شاركت جميع القوى السياسية في التعامل معها أمراً واقعاً منذ سنوات، و»النهل» من خيراتها. فالصلاحيات الاستثنائية التي جُيّرت للمدير العام لقوى الامن الداخلي، والتي غالباً ما كانت تُمنح بغزارة على أبواب ​الانتخابات النيابية​، شرّعها في السابق غياب البلديات، و»كوما» الوزارات المختصة عن ممارسة صلاحياتها، وبقيت في يد المدير العام حتى بعد إنتخاب مجالس بلدية جديدة، لكن، ومنذ تشكيل الحكومة ​الجديدة​، باشرت قيادة «التيار الوطني الحر» مشروع إستعادة هذه الصلاحيات.

وقد بادرت وزيرة الطاقة ندى البستاني، وبتمهيد من الوزير جبران باسيل خلال جلسة طويلة جمعته قبل أسابيع مع عثمان في مقرّ «التيار» في سنتر ​ميرنا شالوحي​، الى الطلب من عثمان التوقف نهائياً عن إعطاء هذه الأذونات، وبالتالي المطالبة بسحب هذه الصلاحية، التي لا يجيزها القانون، وإعادتها الى «أصحاب الاختصاص» الأمر الذي سيؤدي، في رأيهم، الى دخول رسوم الى خزينة الدولة والبلديات مجدداً، ولأنّ مهمّة قوى الأمن هي ضبط المخالفات وليس تكريسها وتعميمها.

ولا يمكن تجاهل واقع أنّ الاستنابة ركّزت على المخالفات في ​قضاء المنية​، وبدا ذلك كإشارة غير مباشرة الى التمييز المناطقي الذي اعتمده عثمان في منح هذه التراخيص.

لكنّ مصادر مواكِبة تشير الى أنّ الحديث عن رشى في هذه الحال يبدو غير منطقي، خصوصاً أنّ هذه التراخيص كانت تُمنح بموجب أذونات صادرة عن «مكتب اللواء» وتوقيعه، ويتمّ إعلام قيادة المنطقة المعنية بالأمر، وعلى هذا الأساس يُسمح بحفر الآبار أو تنفيذ تسويات بناء معينة، ما يطرح سؤالاً عن المغزى من الإدعاء بتلقّي عسكريين رشى في هذه الحال.

مع العلم، تضيف المصادر، أنه عند حصول أيّ مخالفة عبر حفر آبار أو تسوية بناء بلا ترخيص، فإنّ «شعبة المعلومات» هي الجهاز المكلّف، من خلال الدوريات في المناطق أو بناءً على معلومات، بقمع المخالفين وإزالة المخالفات، مؤكدة أنّ كتاب جرمانوس غير منطقي كون صلاحية المدير العام تقتصر على إعطاء تراخيص استثنائية لحفر آبار أرتوازية وتشييد سقوف فقط، ولا صلاحية له في إعطاء أذونات أخرى في مجال البناء و​المقالع والكسارات​ والزفاتات...