لفت النائب ​مروان حمادة​ إلى أنّ "​اتفاق الطائف​ نصّ على اعتماد اللامركزية الإدارية الموسّعة على مستوى الوحدات الإدارية الصغرى (القضاء وما دون) من طريق انتخاب مجلس لكلّ قضاء يرأسه القائمقام تأمينًا للمشاركة الفعلية"، منوّهًا إلى أنّ "بعد قرابة 3 عقود من إقرارها في وثيقة الوفاق الوطني، لم تتحقّق هذه اللامركزية رغم كلّ اللجان والاجتماعات والدراسات الّتي أعدّت لهذه الغاية".

وسأل حمادة خلال تمثيله رئيس "اللقاء الديمقراطي" النائب ​تيمور جنبلاط​، في مؤتمر "السلطات المحلية بين الواقع والمقترح"، الّذي نظّمه اتحاد بلديات ​الشوف​ السويجاني، بالتعاون مع اتحادات وبلديات الشوف: "ما الّذي حصل وحال دون تطبيق هذا البند الإصلاحي بامتياز؟ في الحقيقة، لم يكن تعطيل تنفيذ كامل بنود اتفاق الطائف منذ التوقيع حتّى العام 2005، عشوائيًّا بل أتى في سياق مخطّط لتحقيق مجموعة من الأهداف السياسية، أبرزها تسهيل الهيمنة على السيادة والقرار السياسي- الإقتصادي- الإنمائي في آن".

وبيّن حمادة أنّ "نتيجة لهذا الواقع، ظلّت اللامركزية الإدارية الموسّعة، إلى جانب غيرها من البنود كإنشاء مجلس الشيوخ والإعداد لإلغاء تدريجي للطائفية السياسية واستقلالية القضاء والأمن ونزع سلاح كلّ الميليشيات وسنّ قانون عادل للانتخابات النيابية بعد إعادة النظر ب​الدوائر الانتخابية​، نصًّا على ورق وثيقة الوفاق الوطني"، مركّزًا على أنّه "تعطّل تحقيق بند اللامركزية الإدارية. إضافة إلى ذلك، لم تكن الخلافات السياسية على النفوذ المناطقي لتسهّل بدورها تحقيق اللامركزية واللاحصرية الإدارية، نظرًا إلى أنّ غالبية زعماء المناطق لم يرتاحوا إلى نظام يسهّل حياة ال​لبنان​يين وأمورهم بلا وسيط".

وأوضح "أنّنا على خلاف المتخوفين والمترددين، نرى واقعًا آخر تمامًا. فنظرًا إلى تهالك المنظومة الإجتماعية والتنموية نتيجة مجموعة عوامل في مقدّمها المركزية الشديدة، أصبح تحقيق اللامركزية الإدارية واللاحصرية حتميًّا لغايتين أساسيّتين: أوّلهما، إخراج النظام من مفهوم الزبائنية السياسية والخدماتية الّتي عطّلت قيام دولة الرعاية العادلة وفق عقد إجتماعي واضح ينظّم علاقة الراعي بالرعية، وأسهمت في تفريخ دويلات الخدمات المناطقية. وثانيهما، وضع حدّ للمركزية الشديدة الّتي أسهمت في إنتاج وتمدد الدولة العميقة "Deep state"، تلك الّتي تقصدّت تمركز السلطات والتنمية والثروة في بقعة جغرافية محدّدة؛ ممّا أدّى إلى حالات من الإختناق الجغرافي والديمغرافي أنتج ما يُعرف بأحزمة البؤس وأسهم بشكل كبير في تفريغ الأرياف من سكانها وتقزيمها وخنق إقتصاداتها الزراعية، وتاليًا إلى نسف مفهوم العدالة الاجتماعية والتنموية".

وأشار إلى أنّ "اعتماد اللامركزية الإدارية للبنان "الدمقرطة"، وبالفرنسية "democratisation" تحقّق، وهي فعل الانتقال إلى نظام سياسي أكثر ديمقراطية، إذا ما افترضنا أنّ باستطاعتنا في الظروف المتهالكة الراهنة أن نحافظ على ما تبقّى لنا من مظاهر الديمقراطية". وذكر "أنّني أستند في هذا السياق إلى دراسة قيّمة أعدّها الوزير السابق ​خالد قباني​، يرى فيها انّ اللامركزية "تحقّق الاستقلال الذاتي (Autonomie) للجماعات المحلية أيّ للهيئات اللامركزية بإدارة شؤونها الذاتية بنفسها، وهذا يعني إناطة هذه الهيئات بصلاحيات محدّدة ينصّ عليها القانون، تمارسها بالاستقلال عن السلطة المركزية، وتتّخذ فيها قرارات نافذة بذاتها، إلّا ما استثني منها بنصّ صريح، أيّ باختصار كلّي، تمتّع الهيئات اللامركزية بسلطة التقرير، أيّ اتخاذ القرارات النافذة، بمعزل عن تدخل السلطة المركزية، مع ما يستتبع ذلك من تمتع هذه الهيئات بالشخصية المعنوية والاستقلالين المالي والإداري".

وشدّد حمادة على أنّ "اعتماد اللامركزية الإدارية الموسعة على مستوى الوحدات الإدارية الصغرى (القضاء) من طريق انتخاب مجلس لكلّ قضاء، يمكّن الجماعات المحلية من إدارة شؤونها الذاتية عبر مجالس منتخبة محليًّا، بما يؤدّي إلى مشاركة المجتمع المحلي في إدارة الشأن العام بغية تحقيق الديمقراطية على الصعيدين المحلي والوطني".

كما رأى أنّ "التمادي في إهمال اللامركزية واللاحصرية يصل حدّ الجريمة الموصوفة، وتطبيقهما بلا تلكؤ يحافظ من جهة على الصيغة اللبنانية الميثاقية، ويسهم من جهة أخرى في تطوير النظام، سياسيًّا وتنمويًّا وإجتماعيًّا. لكن هذا الأمر لا يعني إهمال تطوير السلطة المركزية وتفعيل أجهزة الرقابة، لأنّ من شروط نجاح اللامركزية الإدارية وجود دولة مركزية قوية تدعمها وفي الوقت عينه تمارس فعل الرقابة، لأنّ من غير المنطقي منح صلاحيات ما من دون وجود رقابة الحد الأدنى على ممارسة هذه الصلاحيات".

وفسّر أنّ "الرقابة في هذا السياق نوعان: رقابة الرأي العام (الناس والإعلام...)، والرقابة الادارية والقضائية عبر الأجهزة المعروفة الّتي بات ملحًّا تطويرها وتحديثها بما يتلاءم، على حد سواء، مع الممارسة الصحيحة للصلاحيات بلا فساد او سرقة، وعدم الوقوع في البيروقراطية القاتلة التي أحيانا يجري تقصد استخدامها لديمومة النظام الزبائني".

وركّز حمادة على أنّ "الأمور أصبحت أشدّ ضرورة مع تحوّل النظام السياسي في السنوات الأخيرة وتحت الضغط المزدوج لفائض القوة عند البعض الممانع وفائض الشهية عند البعض الحاكم، ممّا سيدفع الجمهورية إلى السقوط العظيم ما لم نتدارك الأمر. حذار إذًا، من إعفاء "كارتيلات" ​الكهرباء​ و​الاتصالات​ وشبكات النفوذ العائلية على حساب الناس في مناطقها وعبر بلدياتها وإتحاداتها". ونوّه إلى أنّه "عندما افتقد الإنماء توازنه يتراجع حتمًا نموّه. واحد في المئة يعني إنماء سلبًّيا منذ تسع سنوات والحبل على الجرار، فلم تعد عائداتكم الطبيعية تحول لا من الصندوق المركزي ولا من الروافد الأخرى كالخليوي المنهوب والكهرباء المنكوبة".