على وقع الإضرابات القائمة في بعض المؤسسات العامة، لا سيما مصرف ​لبنان​ (الّذي تراجع عن الاضراب) وإدارة واستثمار ​مرفأ بيروت​ والضمان الإجتماعي، أصدر رئيس الحكومة ​سعد الحريري​ مذكرة إداريّة، حملت الرقم 14/ 2019، ذكّر فيها الموظفين بنص المادتين 14 و15 من نظامهم، لناحية حظر الإضراب عن العمل على الموظف أو تحريض غيره على الإضراب.

في هذا السياق، من الضروري التذكير بأن رابطة موظفي الإدارات العامة كانت قد نفّذت إضراباً تحذيرياً يوم الأربعاء في 17 نيسان الماضي، ولم تلجأ إلى أيّ إضراب آخر، بينما التحركات اليوم يقوم بها موظفون في مؤسّسات عامة.

إنطلاقاً من ذلك، تسأل مصادر قانونيّة، عبر "​النشرة​"، عمّا إذا كان الحريري وقع في خطأ غير مقصود، عبر إصدار المذكّرة المستوحاة من نظام الموظفين، نظراً إلى أن موظفي معظم المؤسسات العامّة لا يخضعون له، أم أنه أراد أن يبعث برسالة تحذيريّة إلى الموظفين في الإدارات العامة، الذين يخضعون له.

في الحالتين، تحذّر المصادر نفسها من تكرار السيناريو الذي حصل في سبعينيات القرن المنصرم، عندما تمّ إعتبار عدد كبير من الأساتذة مستقيلين بسبب إضرابهم، وتوضح أنه في العام 1972 تمّ تطبيق المادة 15 من نظام الموظّفين، حين نفّذ المعلّمون إضراباً عاماً صرف على أثره 309 من افراد الهيئة التعليميّة، ولكن سرعان ما تراجعت السلطة عن قرارها واعادتهم إلى العمل.

في هذا الإطار، تستغرب رئيسة ​رابطة موظفي الإدارة العامة​ نوال نصر، في حديث لـ"النشرة"، صدور هذه المذكّرة عن رئيس الحكومة، وتشير إلى أن الموظفين في القطاع العام تجاوز هذا الواقع منذ زمن، لأن الدستور يحمّي حقهم في الدفاع عن النفس والإضراب، وكذلك المواثيق والإتفاقيات الدوليّة التي وقع عليها لبنان.

وتلفت نصر إلى أنّ الموظفين يعتبرون هذه المذكرة غير موجودة، لأنها مكسورة سلفاً بالدستور والإتفاقيات الدوليّة المشار إليها في الأعلى، كونها أعلى من أيّ قانون بما في ذلك نظام الموظفين الذي تستند إليه مذكرة الحريري، وتضيف: "نحن نعتبر أنفسنا مستهدفين من خلال هذه المذكرة أكثر من كوننا مستهدفين بما يُحكى عن خفض الرواتب".

وفي حين تؤكد نصر أن موظفي المؤسسات العامة التي تنفذ إضرابات في الوقت الراهن غير خاضعة لنظام الموظفين، تسأل عما إذا كانت المذكرة تهديداً إستباقياً من قبل الحكومة، في مؤشّر إلى أنّ هناك نيّة بإستهداف موظفي الإدارات العامة؟، وتجيب: "لا يمكن التهويل علينا وسنكون في حالة دفاع عن النفس في حال المسّ برواتبنا".

في المقابل، لدى الخبير الدستوري الدكتور ​عادل يمين​ وجهة نظر أخرى، حيث يؤكد أن المؤسسات العامّة تخضع لمبدأ إستمراريّة المرفق العام، بحال عدم الإستناد إلى أحكام نظام الموظفين، وبالتالي لا يجوز تعطيل مرفق عام، ويؤكد أن من حقّ الموظفين التعبير عن مطالبهم من دون تعطيل المرفق العام.

ويشير يمين، في حديث لـ"النشرة"، إلى أنه من خلال أحكام نظام الموظفين الإضراب غير جائز، لكنه يلفت إلى أن بعض الآراء تستند إلى معاهدات دوليّة عمّالية تبيحه، إلا أنّه يرى أن مكانه القطاع الخاص وليس القطاع العام، نظراً إلى أن الإضراب في الأخير يؤدي إلى تعطيل مصالح المواطنين والخدمة العامة.

ويشدّد يمّين على أنّ الدستور لم يستعمل عبارة إضراب بل حريّة إبداء الرأي ضمن أحكام القانون، الأمر الذي يستوجب العودة إلى نظام الموظفين الذي يمنع الإضراب، ويؤكّد أنه غير قانوني في القطاع العام، من حيث المبدأ.

في المحصلة، تتضارب الآراء حول شرعيّة الإضراب في القطاع العام، بين مؤيّد ورافض لهذا الحق، لكن الأكيد أن تلميح رئيس الحكومة بتطبيق ما ينصّ عليه نظام الموظّفين يوحي بإمكانيّة إنتقال الصراع إلى مكان آخر.