مع دُخول الإجراءات الأميركيّة الإقتصاديّة الإضافيّة ضُدّ ​إيران​ حيّز التنفيذ، لجهة وقف الإعفاءات التي كانت مُعطاة لبعض الدول(1) لتصدير نفطها، إرتفعت وتيرة التوتّر بين الطرفين إلى أقصى درجة، وعزّزت ​الولايات المتحدة​ الأميركيّة حُضورها العسكري في مياه الخليج، في الوقت الذي إستنفرت الجمهوريّة الإسلاميّة قُوّاتها، وأعلنت أنّها ستُعاود تخصيب اليورانيوم من دون الإلتزام بأيّ سقف أو شرط دَولي. فما الذي يحصل، وهل يُمكن أن يُؤدّي هذا التصعيد إلى مُواجهة عسكريّة؟.

الرسائل السياسيّة الأميركيّة الضاغطة والمُرافقة للعُقوبات الإقتصاديّة القاسية على إيران، تفاقمت أخيرًا بإرسال حاملة الطائرات العملاقة إبراهام لينكولن(2) ومجموعة البوارج والسفن الحربيّة المُرافقة لها، إلى مياه الخليج، في تحذير عسكري مُبطّن ل​طهران​. في المُقابل، أعلنت إيران حال الإستنفار في صُفوف قوّاتها ومنعت الإجازات، وأعطت الأوامر للوحدات البحريّة بضرورة مُؤازرة حاملات ​النفط​ خلال خروجها من ​مضيق هرمز​، بالتزامن مع تهديدها-وعلى لسان أكثر من مسؤول عسكري، بأنّه ما لم يتمّ تصدير النفط الإيراني فإنّ أحدًا لن يُصدّر نفطه عبر مضيق هرمز(3)، بمعنى أنّ خنق الشريان الإقتصادي النفطي لإيران بشكل كامل، سيدفع هذه الأخيرة إلى التعامل بالمثل مع ​الصادرات​ النفطيّة الخليجيّة، مع العلم أنّ كلاً من السعوديّة و​الإمارات​، تُصدّران الجزء الأكبر من نفطهما عبر مضيق هرمز، إضافة إلى دول أخرى مثل ​الكويت​ وقطر و​العراق​. وبعد أن قرّرت الولايات المتحدة الأميركيّة أيضًا فرض عُقوبات على الصادرات الإيرانيّة من اليورانيوم المُخصّب وفق الكميّات المُحدّدة بالإتفاق النووي معها(4)، ردّت إيران بإبلاغ الوكالة الدَوليّة للطاقة الذرّية أنّها أعطت "الضوء الأخضر"لعمليّة زيادة القُدرة على إنتاج سادس فلوريد اليورانيوم، وهي المادة الخام المُستخدمة في أجهزة الطرد المركزي.

وحاليًا، تُعوّل إيران على رفض الدول التي كانت حتى الأمس القريب لا تزال تشتري النفط الإيراني، الإجراءات الأميركيّة. وتُراهن إيران بالتالي على مُساعدة هذه الدول لها، بشكل يسمح بالإلتفاف على الحظر النفطي المفروض عليها، باعتبار أنّ كلاً من ​روسيا​ و​الصين​ و​تركيا​، إنتقدت بشدّة التهديدات الأميركيّة بفرض عُقوبات عليها في حال إستمراها في التعامل نفطيًا مع إيران، وبلغت الإعتراضات على القرار الأميركي دولاً حليفة تقليديّة ل​واشنطن​، مثل ​الهند​ وغيرها. كما تهدف إيران من خلال تصعيدها السياسي والإعلامي، ومن خلال تهديداتها العسكريّة، وكذلك تهديدها بإعادة الملفّ النووي إلى مرحلة ما قبل الإتفاق، إلى إستجلاب تدخّلات غربيّة سريعة، تُعيد تنظيم العلاقة بين واشنطن وطهران، وتعيد السماح لإيران بتصدير نفطها. أمّا في حال بقاء الحصار الأميركي الحالي على أشدّه، فإنّ إيران ستلجأ على الأرجح إلى إتخاذ إجراءات من شأنها عرقلة حركة الملاحة البحريّة النفطيّة عبر مضيق هرمز، حيث أنّها سرّبت خلال الأيّام الماضية معلومات إستخباريّة بحوزتها عن تحضيرات لشنّ هجمات مُسلّحة على ناقلات نفط في مياه الخليج، من قبل جهات ترمي إلى حُصول مُواجهة عسكريّة بين واشنطن وطهران، الأمر الذي فسّره أكثر من خبير بأنّه عبارة عن تهديدات مُبطّنة باللجوء إلى هذا الخيار، ولوّ من دون أن تتحمّل إيران المسؤوليّة المُباشرة عنه، تجنّبًا للمُساءلة الدَوليّة كون حركة الملاحة البحريّة محفوظة لمُختلف الدول في القانون الدَولي.

في الخُلاصة، إنّ الهدف الأميركي الإستراتيجي من رفع مُستوى الضغوط على إيران هو لجم هذه الأخيرة، ودفعها إلى تخفيف تدخّلاتها الأمنيّة والسياسيّة في دول المنطقة، وإلى وقف تهديد مصالح حُلفاء واشنطن الخليجيّين، لكنّ النتائج المُحقّقة حتى هذه اللحظة هي عكسيّة تمامًا، حيث أنّ طهران تتصرّف حاليًا بعدوانيّة أكبر، وهي عازمة على منع خنقها إقتصاديًا وماليًا، مهما كانت المخاطر والتحديّات أمامها، لأنّ الخُضوع للإجراءات الأميركيّة يعني تفاقم الأزمات الإقتصاديّة والماليّة والمعيشيّة التي تُعاني منها أصلاً. فهل ستتدخّل الدول الأوروبيّة والغربيّة بسرعة، لإيجاد تسوية جديدة بين واشنطن وطهران، ولو عبر صيغة تُنظّم الخلاف بينهما لا أكثر، أم أنّنا سنبدأ في الأيّام المُقبلة بمُتابعة إحتكاكات أمنيّة مُتكرّرة في مضيق هرمز، تُهدّد التصدير العالمي للنفط، وتفتح الباب أمام إحتمالات سلبيّة شتى؟!.

(1) الدُول التي كانت مُعفاة من منع إستيراد النفط الإيراني هي: الصين، الهند، ​اليابان​، ​كوريا الجنوبية​، ​تايوان​، ​إيطاليا​، ​اليونان​، وتركيا.

(2) تُعتبر من أضخم السفن الحربيّة في العالم، وهي شاركت في عمليّات حربيّة عدّة، منها تحرير الكويت سنة 1991، والهجوم على ​أفغانستان​ سنة 2001، والهجوم على العراق سنة 2003، إلخ.

(3) يبلغ عرضه 50 كيلومترًا وعمقه نحو 60 مترًا بمعدّل عام، وهو يُعتبر من بين أهمّ المَمرّات البحريّة في العالم أجمع، نتيجة مُرور نحو 40 % من الإنتاج العالمي من النفط عبره، علمًا أنّه يستوعب مُرور ما بين 20 إلى 30 ​ناقلة نفط​ يوميًا عبر مياهه.

(4) بعد مُفاوضات شاقة إستمرّت 18 شهرًا، تمّ توقيع إتفاق برعاية دَوليّة يقضي برفع ​العقوبات الأميركية​ والدَوليّة على إيران في مُقابل تنازلات إيرانيّة على مُستوى مشروعها النووي.