يعاني ​لبنان​ من أزمات كثيرة، منها ما يحمل الطابع السياسي الاجتماعي، ومنها المالي الاقتصادي، والنقدي، وهنا يتم في أحيان كثيرة الحديث عن الأزمة الماليّة من باب الاقتصاد والنقد، او العكس، رغم ان السّياسة الماليّة هي ليست نفسها السّياسة الاقتصاديّة، ولا السّياسة النقديّة، فلكل واحدة لها تعريفها وأدواتها، وهذا ما سنحاول التعرّف عليه.

التعريفات والادوات

تتعدد التعريفات للسّياسة الماليّة، ولكنها بأغلبها تُجمع بحسب الخبير الاقتصادي محمد جزّيني على أنها المتعلّقة بإيرادات الدولة او الجباية، والنفقات، وهي توكل الى وزارة الماليّة لتقسيم الاموال على الادارات بحسب الطلبات والاحتياجات وقدرة الخزينة، وتأمين ​العجز​ بين الايرادات والنفقات كما يحصل في لبنان، اذ تقوم الوزارة عندها بالتوجه نحو ​القطاع المصرفي​ او السوق للاستدانة عبر سندات خزينة.

تُعرف الأزمة الاقتصادية على أنّها حالة يعاني فيها اقتصاد بلد ما من تباطؤ مفاجئ ناجم عن أزمة ماليّة، ومن المرجّح أن يعاني الاقتصاد الذي يواجه أزمة من انخفاض الناتج المحلي الإجمالي، ونقص السيولة، وارتفاع أو انخفاض الأسعار بسبب التضخم أو الانكماش الاقتصادي. اما السّياسة الإقتصاديّة فهي بحسب جزّيني ​سياسة​ تتابع وتراقب القطاعات الانتاجيّة للبلد، الزراعة والصناعة والخدمات التي تأتي ضمنها السياحة وعمل المصارف، وهي تمثل عمليّة الانتاج بالبلد، ويكون مسؤولاً عنها ​مجلس الوزراء​ مجتمعا، وتتولى ​وزارة الاقتصاد​ التنفيذ والتنسيق.

ويشدّد جزيني على أنّ السّياسة الاقتصاديّة تقوم على رؤية ما نريد ان ننتجه، وكيف نطوّر ادارة البلد الاستثماريّة، وكيف نجعل لبنان منتجا للاموال، وتجيب عن الأسئلة التالية: أيّ قطاع يناسب بيئتنا ومجتمعنا وطقسنا، وهل نركّز على الصناعة ام الزراعة أم الخدمات؟.

أما السّياسة النقديّة فتتعلق بتثبيت سعر الصرف وادارة العملة، وأدواتها هي كل ما له علاقة بسعر الفائدة والتحكم بحجم السيولة بالبلد، ويهتمّ بها بحسب قانون النقد والتسليف ​المصرف المركزي​.

الواقع والحلول

مما لا شك به في لبنان انه حتى ولو كانت المسؤوليّات منفصلة ومحدّدة لكل سياسة الا أن السياسات الثلاث يتقاطعون ويتكاملون، فلأجل الوصول الى رؤية اقتصاديّة شاملة، علينا أن نرتكز على السّياسات الثلاث والتنسيق بينهم.

في هذا السّياق يرى جزيني أن المشكلة الاقتصاديّة في لبنان هي مركز المشاكل، اذ نحن في بلد لا يستطيع انتاج "وفر" كافٍ لتغطية المصاريف لديه، واقتصاديًّا بحال لم تكن تملك ماكينات انتاجية تشكّل موردا للخزينة وتوفّر فرص العمل للناس، وتصدر للخارج مقابل الحصول على العملات الاجنبية، فلا شك سيكون المصير كما هو الحال اليوم، أيّ استدانة وغياب المشاريع الاستثماريّة وارتفاع نسبة البطالة، مشبّها "لبنان" لموظّف يصرف بالشهر 4 آلاف دولار وراتبه لا يتجاوز 3 آلاف دولار.

ويرى جزّيني انّ الحلّ هو بإعادة تفعيل القطاعات الانتاجيّة، ودراسة أفضلياتنا لتقوية الاقتصاد، مشيرا الى أن هذا ما سعت اليه دراسة "ماكينزي"، رغم التحفّظات لكثيرة عليها، ولكنّها البداية لتأسيس انتاج وطني يسمح لنا ان نحصل على عائدات محليّة وخارجيّة، لرفع حجم الاعمال وزيادة الارباح.

واشار الى ضرورة تعاون القيّمين على السّياسات الثلاث، لأنّ السّياسة الاقتصاديّة ترسم حاجات البلد، وتقوم السّياسة الماليّة بدعم تحقيقها. والمثال على ذلك، بحال قرّرت الحكومة الاستثمار بمشاريع الشّركات التكنولوجيّة للشباب، فعندها يكون واجب السّياسة الماليّة تأمين التمويل وتقديم الدعم لهذه الشركات. او بمثال ثان، تقرر الحكومة مثلا تشجيع قطاع الاسكان لتحريك الـ49 قطاعا من المرتبطين به، فهنا واجب القيّمين على السّياسة الماليّة، تحفيز الشراء العقاري. او بمثال ثالث، تقرّر الحكومة دعم الانتاج المحلّي من الخضار، فتقوم السّياسة الماليّة بفرض ضرائب مرتفعة على استيراد الخضار الاجنبي المنافس للانتاج المحلي.

من جهة اخرى، على المصرف المركزي "دَوْزَنَة"عمله طبقا للسّياسة الاقتصاديّة المقترحة وتوقّعات الدراسات التي تنصّ على حجم الاموال التي ستدخل، او حجم العملات الاجنبيّة، وعندها بحسب جزيني يحاول المصرف المركزي ادارة النقد والسيولة بحسب حاجتنا للاموال، وبالاضافة الى ذلك يؤمّن التمويل اللازم للدولة بحال احتاجت الى تمويل اضافي لأجل سياساتها.

واضاف: "بسبب غياب التنسيق فإن كل ما نقوم به اليوم هو فقط تثبيت سعر الصرف بغضّ النظر عن الخطّة والرؤية، ونعتبر ان القطاع المنتج الوحيد هو القطاع المصرفي واستقطاب الاموال الاجنبيّة هو الحلّ الوحيد الذي ينفع لذلك نرفع الفوائد لاستقطاب الأموال من الخارج".

اليوم الوضع في لبنان لا يبدو بالسوء الذي يتحدّث عنه بعض الاعلام المحلّي والأجنبي، خصوصا واننا لا نعاني من ازمة نقديّة، كذلك فإنّ اجراءات التقشّف اليوم في الموازنة ستكون سببًا بانخفاض حجم الأزمة الماليّة، وتبقى الازمة الاقتصادية التي يُتوقع أن تشهد حلولا مع وصول أموال استثمارات "سيدر".