كانت الجماعات المسلحة والجهات التي تقودها أو تدعمها، تعمل في محيط إدلب ضدّ ​الجيش السوري​ مطمئنة الى نجاحها في جرّه الى حرب استنزاف مرهقة، وإحراجه ميدانياً وسياسياً ومعنوياً ووضعه في وضع لا يستطيع الانطلاق الى عمل ميداني يكسر رتابة المشهد او يغيّر من واقع امتلاك الإرهابيين زمام المبادرة في ظلّ تقيد الجيش السوري بمخرجات استانة ومضمون اتفاق سوتشي وقيود منظومة مناطق خفض التصعيد.

في ظل هذا التصور تطور الاستفزاز الإرهابي للجيش والمدنيين السوريين في ريف حماة الشمالي و​ريف حلب الجنوبي​ الغربي الى الحد الذي ألحق بالجيش خسائر مؤثرة وبالمدنيين ضربات مؤلمة ومعطلة للحياة الطبيعية في أكثر من مرة. خسائر كانت تقع على مرأى ومسمع قيادة معسكر العدوان على سورية التي كانت تطرب بكل مكوناتها لما تحدثه عمليات حرب الاستنزاف الإرهابية ضد السوريين مدنيين عسكريين.

تحت وطأة هذا الوضع المرفوض لا بل المستحيل القبول به أصلاً والقبول باستمراره استطراداً كان اجتماع استانة الأخير الذي ووجهت فيه تركيا بالحقيقة التي لا يمكن السكوت عليها ووضعت بين خيارين إما التنفيذ السريع والجدي لكلّ التزاماتها في سوتشي وأستانة، ووضع حدّ لحرب الاستنزاف التي بدأها المسلحون منذ أربعة أشهر تقريباً، او التزام الصمت امام قيام الجيش العربي السوري في معالجة الوضع ورسم خريطة جديدة في الميدان تفتح الطريق أمام إنهاء الوضع الشاذ في ادلب في مرحلة لاحقة لا بد آتية.

وإظهاراً للجدية في مواقف الثنائي الروسي ال​إيران​ي المتبني للموقف السوري، ولتأكيد انّ صبر سورية قد نفد وانّ قواتها المسلحة هي على أهبة الاستعداد للعمل في الميدان بصرف النظر عمّن سيواجهها، كان يوم قصف الطيران الطويل المنفذ من قبل سلاح الجو السوري والطائرات الروسية العاملة في سورية واستهدف فيه أكثر من 45 قاعدة نارية للمسلحين كما كانت الرسالة الصاروخية التي وجهتها المدفعية السورية لإحدى النقاط العسكرية التركية في محيط ادلب وأدت الى خسائر بشرية تركية في الموقع.

بهذا العمل المتكامل سياسياً وعسكرياً وميدانياً، فهمت تركيا بان قرار وقف حرب الاستنزاف اتخذ ولا رجعة عنه وأن هناك مرحلة عمل عسكري سوري في المحيط ستبدأ مهما كانت العوائق، وفهمت بأن لا طائل من المكابرة، لذا التزمت الصمت واكتفت بمراقبة حركة قوات الجيش العربي السوري التي انطلقت لتنفيذ عمليات المرحلة الأولى من مراحل تحرير منطقة ادلب، التحرير الذي سيتم وفقاً لعملية مركبة من عناصر ثلاثة ويتم على مراحل متتابعة تفرضها الظروف المعقدة التي تقوم في المنطقة أو التي تحيط بها محلياً وإقليمياً ودولياً.

وبالتالي فإن الصمت التركي لم يكن نتيجة لما يريد أن يروج له المرجفون والمشككون الذين صنعوا من انفسهم ابواقاً للتشكيك بكل ما يتصل بالأداء الوطني للحكومة السورية او التخفيف من قوة قراراتها الاستراتيجية والادعاء بأن سورية اشترت صمت تركيا بالتساهل في مستقبل تل رفعت، بل إن الصمت التركي كان نتيجة الموقف السوري الموسوم بالحزم والقوة مدعوماً بموقف إيران ومحور المقاومة و​روسيا​. موقف أظهر لتركيا أن عهد ال​مناورات​ لكسب الوقت وتمرير المشاريع المعادية الخاصة ولى وأن هناك مرحلة جديدة في الميدان والسياسة عليها أن تسلم بها، ففهمت وسلمت وصمتت.

إذن ركبت سورية عمليتها من عناصر ثلاثة كما ذكرنا، بحيث تتكامل جميعها في خدمة الهدف الأساس والكبير المتمثل بتحرير ادلب ومنطقتها واستعادتها الى حضن الوطن والسيادة السورية بأقل كلفة ممكنة، لذا ركبت العملية من عناصر كان أولها ضغطاً متعدد العناوين هدفه إخراج العدد الأكبر من المدنيين من ميدان المعركة لتجنيبهم أهوال الحرب، والثاني عقد مصالحات مع الفصائل المسلحة بعد ممارسة عمليات الترغيب والترهيب بوجهها حتى يستجيبوا لدعوة الحكومة بالخروج من الميدان مقابل ضمان مستقبلهم في الوطن رغم أن شروط المصالحات هنا تبدو أكثر شدة وتعقيداً مما مضى لأنه بعد ادلب لن يكون هناك محل يتوجه إليه رافضو المصالحة، أما العنصر الأخير فهو كما يوصف بانه آخر الدواء الكي أي العمل العسكري الذي شاهد المتابع جزءاً بسيطاً منه مورس فأدى الى تحرير مناطق هامة في المنطقة، حيث دخلت قوى الجيش إلى الحدود الإدارية لإدلب.

ومن جهة أخرى اعتمد لعملية التحرير، ولأسباب إنسانية وعملانية استراتيجية، باعتماد أسلوب المراحل ذات الأهداف المرنة المتدحرجة وهو نهج ألفه الميدان السوري خلال عمليات التحرير السابقة، وجاءت المرحلة الأولى من اجل تحقيق أربعة اهداف رئيسية هي:

كسر خطة الإرهابيين ومشغليهم، الرامية الى إدارة حرب استنزاف يجرّ الجيش الغربي السوري اليها ووضع حد نهائي لهذا الامر.

إجهاض المناورات التركية الرامية للتسويف ومنع تحرير إدلب وكسب الوقت لتنفيذ المشروع التركي في المنطقة المتمثل باقتطاع الأرض والتدخل في مستقبل النظام السياسي السوري.

ضرب معنويات المسلحين وإجهاض آمالهم بطول البقاء في المنطقة مستندين على الوعود بحماية مشغليهم.

تهيئة منطقة العمليات وتسوية خطوط التماس بما يسهل الانطلاق في المرحلة الثانية من العملية والتي ستركز على تحرير مساحات أوسع وتخليص أعداد أكبر من المدنيين المتخذين شبه رهائن لدى المسلحين.

ومستفيدة من التحضيرات الميدانية العسكرية، ومن الإنجازات الاستخبارية الهامة التي حققتها المخابرات في ادلب في صفوف المسلحين، ومن الارباك الغربي والإقليمي والأميركي بشكل خاص في ما يتعلق بالمواجهة مع ايران، وإشاعة فكرة اقتراب الحرب في المنطقة بعد دخول القرارات الأميركية «صفر تصدير نفط إيراني» حيز التنفيذ. ومن نتائج اجتماعات استانة الأخيرة، مستفيدة من كل ذلك نفذت قوى الجيش العربي السوري المنتشرة في محيط المنطقة، المرحلة الأولى من العملية بنجاح باهر وبسرعة اختصرت التوقيت الموضوع لها الى النصف او أقل واقتصدت بالجهود والتضحيات بشكل فاق التوقع.

وعليه يمكن القول إن تنفيذ المرحلة الأولى من عملية تحرير إدلب جاءت بنتائج تخطت ما حدد لها ولهذا تدحرجت أهدافها الى أبعد ما خطط لها أصلاً وسيكون لها من المفاعيل العملانية والاستراتيجية ما يؤثر على مجمل المواجهة في سورية بين معسكري العدوان والدفاع عن سورية، أولاً وينسحب تأثيرها بشكل عام على المواجهة القائمة في الإقليم بين محور المقاومة وقوى العدوان عليه بقيادة اميركا، ولن تجد أميركا مجدياً لها قرع طبول الحرب ضد ايران و​حزب الله​ ولن يكون لها بالتهويل والحرب النفسية ما تحلم به من إذعان وخضوع، فالحرب لن تكون نزهة لأميركا وحلفائها، ومحور المقاومة ماضٍ قدماً في المواجهة المدروسة والواقعية غير الاستفزازية، وواثق من النتائج التي لن تكون إلا في مصلحة شعوب المنطقة التي تطمح الى بناء منطقة لأهلها لا يكون لمستعمر فيها مقر أو نفوذ.

وبالخلاصة نقول إن عمليات ادلب في سقفها المرسوم وأسلوب تنفيذها المخطط وفي ظرفها المدروس تستجمع من المعاني والدلالات ما يمكن إجماله بالقول بان:

ان سورية ومعها محور المقاومة لا تتراجع عن القرارات الاستراتيجية مهما كانت كلفتها.

ان التهويل بالحرب ومناورات الحرب النفسية لن تثني سورية ومحور المقاومة عن أداء المهام الدفاعية مهما كانت الكلفة.

ان من انتصر في مراحل الحرب الدفاعية التي استهدفت سورية ومحور المقاومة خلال العقد المنصرم لن يفرط بانتصاره مهما كانت الظروف.

إذا استوجب الظرف والحال مرونة وليونة في التنفيذ فإن الامر ممكن شرط ان لا يمس بالصلابة والثبات على المبادئ.