قد ينفع بعد التوقيفات الأخيرة التي طالت داوود مخيبر و​رشيد جنبلاط​ حيث تماديا باستخدام حريتهما بالتعبير، إعادة تحديد ماهيّة هذا الحقّ وهذه الحريّة ورسم حدودهما قبل الانجراف مع العواطف سواء أكُنا من مؤيدي ما جاء على لسانهما أم من معارضيه.

واذا كان الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ينصّ في المادة 19 منه على ان "لكلِّ شخص حقُّ التمتُّع بحرِّية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحقُّ حرِّيته في اعتناق الآراء دون مضايقة، وفي التماس الأنباء والأفكار وتلقِّيها ونقلها إلى الآخرين، بأيّ وسيلة ودونما اعتبار للحدود"، الا ان الاعلان نفسه يعود ليوضح أن ممارسة هذه الحقوق تستنبع "واجبات ومسؤوليات خاصة"، "وعلى ذلك يجوز إخضاعها لبعض القيود" عند الضرورة "لاحترام حقوق الآخرين أو سمعتهم" أو "لحماية الأمن القومي أو النظام العام أو الصحة العامة أو الآداب العامة".

وقد ساهمت ​وسائل التواصل الاجتماعي​ التي بات تطورها أسرع من أن يلحق المشرعون وضع الضوابط المناسبة لها، الى حدّ كبير بانحراف ممارسي حقّ التعبير عن سكّة الاخلاقيّات ما أدّى الى تحرك الاجهزة الامنيّة والقضائيّة المعنيّة لاعادة تصويب المسار، من دون ان يعني ذلك ان هذه الأجهزة لم تتمادَ بدورها في الكثير من القضايا وبخاصة المرتبطة بحريّة الاعلام والحقوق.

وقد سجّلت مؤسسة "مهارات" في تقريرها حول انتهاكات حريّة الرأي والتعبير في ​لبنان​ بين ايار 2018 ونيسان 2019، تراجعًا في حرية المواطنين والناشطين في التعبير عن آرائهم الخاصة لا سيما عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وتمحورت الحالات حول قضايا مرتبطة بنقد الشخصيّات العامّة وآداء المؤسسات والهيئات المولجة تطبيق القانون وحماية الحقوق والحريات او ابداء اراء نقدية ساخرة منها او من قضايا تتعلق بالأديان. الا أن ذلك يضعه وزير العدل ​ألبير سرحان​ الذي يؤكّد حرصه على أن يبقى لبنان بلد الحريات وخصوصا حرّية الاعلام والتعبير وابداء الرأي، في اطار تطبيق القانون والدستور إذ لا يقبلان باستباحة أعراض وكرامات الناس، لافتا في تصريحات سابقة له الى ان "هناك بعض المتضررين الذي يصفون ذلك بقمع الحريات، وهذا غير دقيق على الاطلاق، فالمثول أمام القضاء ليس تعدّيا على الحريّة بل ضمانة كي لا تحكم المجتمع شريعة الغاب حيث كل شخص يأخذ حقّه بيده. فالقضاء بالنهاية هو ملاذ الضعيف".

ويشير رئيس منظمة "جوستيسيا" الحقوقية الدكتور ​بول مرقص​ الى أن حرية الرأي والتعبير مكفولة في الدستور لكن في حدود القانون المرسومة بقانون العقوبات الذي يحتاج لتعديل لكونه مطاط في التعابير ما يؤدي أحيانا الى تكبيل هذه الحرية وهذا الحق، لافتا الى ان هذا القانون يُجرّم القدح والذم والتحقير، على ان تبلغ العقوبة السجن سنتين اذا طال الجرم رئيس الدولة و3 سنوات اذا كان هناك مساس بالأديان.

ويشدد مرقص على ان اي حق لا يمكن أن يكون مطلقا بل يجب ان يكون له حدود والا انقلب الى تعسف، وهذا ما يمكن التماسه بالممارسة العملية بحيث تم تسجيل شذوذ وجنوح وبخاصة في حرية التعبير على مواقع التواصل الاجتماعي، لافتا الى ان لا مجتمع يتعاطى مع هذه الوسائل كما نتعاطى معها نحن في لبنان، بحيث حولناها الى "مناشر غسيل" من دون ان نأخذ بعين الاعتبار ان الحرية مكفولة وأنه يمكن التعبير عن أي رأي ولكن ضمن الاخلاقيات والآداب العامة وعلى ان لا تتعرض لكرامات الآخرين.

وتتحدث مقدّمة الدستور اللبناني صراحة في الفقرة "ج" عن أن "لبنان جمهورية ديموقراطية برلمانيّة تقوم على احترام الحريات العامة، وفي طليعتها حريّة الرأي والمعتقد...". وتكفل المادة 13 من الدستور اللبناني "حرية إبداء الرأي قولاً وكتابة وحرية الطباعة وحرية الاجتماع وحرية تأليف الجمعيات، ضمن دائرة القانون". وتعاقب المادة 384 من قانون العقوبات بالسجن حتى السنتين الاقدام على تحقير رئيس الجمهورية والعلم أو شعار الدولة، وتنص المادتان 474 و317 على سجن من يحقر الشعائر الدينية ويثير النعرات المذهبية، 3 سنوات. كذلك، تتيح المادة 219 اتهام الصحافي/ة بتسهيل "جريمة" ضيفه لو أقدم على كلام يجرّمه القانون.