أحد الطلاب ال​لبنان​يين الذين يدرسون في إحدى ​الجامعات​ في الخارج، كان يقرأ ​الموازنة​ على أحد ​المواقع الالكترونية​، توقَّف عند أحد بنود الإيرادات الذي جاء فيه:

"فرض رسوم على المسافرين بطريق الجو أو البحر لدى مغادرتهم الأراضي اللبنانية: 75 الفاً للدرجة السياحية، 125 الفاً لدرجة ​رجال الأعمال​، 200 ألف للدرجة الأولى و400 الف على كل مسافر للطائرات الخاصة".

ما إنْ أنهى قراءة هذا البند حتى تطلَّع إلى زميله الذي يتشارك معه الغرفة في الجامعة، وقال له: "زمطنا، لقد غادرنا قبل صدور ​قانون الموازنة​ وقبل وضعه موضع التنفيذ".

***

حال هذا الشاب هو كحال 600 ألف لبناني غادروا لبنان منذ العام 1992 حتى عام 2018، ولم يعودوا، ونزف المغادرة، قبل صدور قانون الضريبة على المغادرة، إستمر بوتيرة مرتفعة. ففي العام الماضي غادر 35 الف مواطن. وفي الشهور الثلاثة الأُولى من هذه ​السنة​ غادر 15 الف مواطن. فعن أي موازنة نتحدَّث في ظل "اللاتوازن" بين الأمل بالبلد والسعي إلى ​الهجرة​.

***

مشكلة الموازنة أنها لا تملك إيرادات منتظمة، سنوية، بل إيرادات غب الطلب، ومثال على ذلك:

رسم المغادرة، في معظمه، سيًدفَع لمرة واحدة إذا كان المُغادِر لن يعود، وهي حال الـ 600 ألف لبناني الذين غادروا على مدى ربع قرن بعد انتهاء الحرب، كذلك حال الـ 35 الفاً الذين يغادرون سنويًا.

***

رسمٌ آخر قد يُدفَع لمرة واحدة وقد لا يعود يُدفَع على الإطلاق، وهو الالف ليرة على كل "نفس نارجيلة"، فالمواطن بعد هذه الضريبة، قد يعمد إلى تحضير نارجيلته في المنزل ويعطي الالف

ليرة لطفله ليفرح بها، بدل أن يعطيها للدولة لتصبح في جيب متعهِّدٍ غير شفاف أو "سمسار رسمي" سَمْسَر لمزايدة أو مناقصة أو عقد بالتراضي.

***

في أي حال، ووفق الأرقام النهائية، فإن مجموع النفقات في الموازنة بلغ 23 ألفاً و340 بليون ليرة وأن الواردات صارت 19 ألفاً و16 بليون ليرة، وبات ​العجز​ 7.59 في المئة، إثر إضافة 2500 بليون ليرة هي عجز ​قطاع الكهرباء​.

لكن الأهم من كل ذلك ان النفقات محققة وأكيدة فيما الإيرادات غير مؤكَّدة. ومن الامثلة على ذلك: مَن يضمن حجم الإستيراد بعد رسم الـ 2 في المئة على عشرات السلع؟

إذا ارتفعت الرسوم على التسجيلات العقارية فيما الحركة العقارية انخفضت دون المستوى المطلوب، فكيف ستتأمن المداخيل من هذا البند؟

***

المضحك المبكي في هذه الموازنة ان السلطة التنفيذية تأخرت خمسة أشهر في مناقشتها، لكنها استعجلت في إقرارها مما جعلها تبدو "مسلوقةً سلقًا" من دون ان تكون مضمونة الإيرادات، على عكس النفقات، المضمونة جدًا.