المجتمع الدولي​، من دول ومؤسسات، يبدو انه يسبق المؤسسات ال​لبنان​ية الرسمية في الحث على انجاز الموازنة لإصدارها بقانون، فالانتظام المالي بالنسبة إلى هذه المجتمعات هو الاساس وهو الخطوة الاولى التي يجب ان تسبق كل الخطوات.

***

إنطلاقًا من هذا المعطى يأتي الموقف الفرنسي بعد أقل من أربع وعشرين ساعة على تقرير وكالة "ستاندارد اند بورز"، ففي سطور مقتضبة قالت السفارة الفرنسية في بيروت:

"إن موافقة ​مجلس النواب اللبناني​ على الموازنة هي مؤشر إيجابي لتنفيذ لبنان لالتزامات

"سيدر" ، ويتطلب التنفيذ الفاعل لمؤتمر "سيدر" وضع آلية مراقبة صلبة وشفافة نأمل بشدة ان يبدأ العمل بها".

***

ديبلوماسية الدول تختار كلماتها بعناية فائقة عند إصدار بيان أو موقف، وفي البيان الآنف الذِكر هناك دقة بالغة في اختيار الكلمات لجهة الحديث عن "آلية مراقبة صلبة وشفافة لتنفيذ مقررات سيدر".

ماذا يعني ان تركِّز ​فرنسا​ على هذه النقطة بالذات دون غيرها؟

فهي مثلًا لم تتوقف عند مسألة الإنفاق وكيف سيتم، والإيرادات وكيف ستتحقق، بل توقفت عند "كيفية صرف القروض والهبات التي ستأتي من سيدر" وما هي "آلية مراقبة التنفيذ".

يعني استطرادًا ان فرنسا، راعية ​مؤتمر سيدر​، غير واثقة من "آلية مراقبة التنفيذ" اللبنانية، وتتطلَّع إلى "آلية صلبة وشفافة".

وحين المطلوب ان تكون "صلبة" فهذا يعني مناعتها ضد "الرشاوى" والعمولات والقوميسيونات غير المشروعة، وهذه "العيوب" الثلاثة متفشية في جسم الإدارات اللبنانية الرسمية المعنية بالمزايدات والتلزيمات والمناقصات، ويتذكَّر الجميع معركة تحجيم وتهميش إدارة المناقصات لإبعادها عن أداء دورها في ان تعطي موافقتها المسبقة، وليست اللاحقة على المناقصات. فهل سترضخ السلطة التنفيذية اللبنانية للشروط التي تضعها فرنسا؟

يبدو ان الموضوع ليس ان تقبل أو لا تقبل، فالقصة ليست قصة خيار بل إلزام.

***

ولكن هل ستطول "إقامة" الموازنة في مجلس النواب؟

هناك مشكلتان: الاولى ان الموازنة بصفحاتها الـ 1234 تبدو "صعبة" على بعض النواب غير الملمين بأصول الموازنات وتشريعاتها وبالمحاسبة العمومية، وهذا النقص أو ما يمكن تسميته "العيب" ظهر في أكثر من جلسة تشريعية حيث ظهر بعض النواب وكأنهم في مكان لا يعرفون ماذا يجري فيه.

المشكلة الثانية هي "قدرة" النواب على المماطلة في المصادقة على الموازنة ما يُفقدها جدواها ويضرب رهان سيدر عليها.

***

هناك كباش كبير بين الحكومة ومجلس النواب لجهة ضريبة الـ 2 في المئة على السلع المستوردة، بعض الكتل النيابية ستحاول إسقاط هذا البند، في هذه الحال، ماذا يتبقى من الموازنة؟

***

في المقابل، كان يمكن للموازنة ان تكون لها إيرادات كبيرة تصل إلى نحو 600 مليون دولار، وهي قيمة خسائر الرسوم الجمركية نتيجة التهريب. وهذا رقمٌ موثَّق في تقرير تم رفعه إلى المراجع المختصة.

ففي التقرير ان البضائع المهرّبة متنوّعة: من الأجهزة الإلكترونية والتلفزيونات، والدخان الذي تصل قيمة خسائره الجمركية إلى 150 مليون دولار أميركي سنويا، والألبسة والأحذية والخضار والفاكهة و​الحليب​ والدواجن وحتى الرخام خصوصًا بعد قرار الحكومة وضع شروط قاسية على استيراد الرخام.

600 مليون دولار ليس رقمًا تفصيليًا، ولو أن السلطة التنفيذية حزمت أو تحزم أمرها على المعابر غير الشرعية، لكانت هذه الـ 600 مليون دولار في خزينة الدولة.

ومن أبسط الأمور إقفال المعابر غير الشرعية، وإلاَّ نكون في كل شيء إلاَّ في دولة، يسودها القانون والمؤسسات.