صلُّوا لـها... قبل أن تصلُّوا عليها دولةً تفترسها الطائفية، تسير على الأقدام الى ​الإعدام​، تتجرَّع سُـمَّ «الرجل المريض»، ذلك الذي فتكَ بالأمبراطورية العثمانية، لو لم ينتشلْها مـؤسِّسُ الجمهورية العلمانية مصطفى كمال أتاتُرك...

وفي هذا «الأتاتُرك» يقول الشاعر الفرنسي فكتور هوغو: «مع مصطفى كمال لا يكاد يبدو الإختلاف بين هذه المسيحية وذلك الإسلام...»

منذ سنة 1943 على الأقلّ، ونحن نتقلَّب على فراش المرض، نفتّش عَـبَثاً عن «مصطفى» ​لبنان​ي، لإنقاذ هذه الدولة الموبوءة بالطائفية... وبدل أن نتعالج بالعلمانية لا نزال نتخبَّط بالعثمانية.

قانون الإنتخابات​ الذي يُعوَّلُ عليه للتطوّر التدريجي نحو الدولة الحديثة، كان بمثابة القشَّة التي قصَمتْ ظهر لبنان، فجعلتْ من التسع عشرة طائفة، تسعة عشر وطناً مذهبياً، كمَنْ يضربُ الجرحَ بالرمح.

نحن نتساكن في وطنٍ كلُّ طائفة فيه منفصلة عنه في خصائصها وأهدافها وسياستها وانتمائها وقرارها الخاص، تخوض حرباً باردة على الدولة وعلى الطوائف الأخرى بهدف الهيمنة السياسية طائفياً.

وعندما تتسيّس الأديان ينتقل الصراع، من صراع ديمقراطي الى صراع طائفي ومذهبي، وتشتدُّ غريزة الطوائف بهدف تـفوُّقِ الأكبر على الأصغر والأقوى على الأضعف، فينكمش الضعيف على ذاته لمقاومة عملية الإحتواء، وتصبح الإستعانة بالخارج ضرورة حتمية لحماية وجوده المهـدّد.

في ظلِّ هذه الغوغائية الوطنية الفاحشة، يعيش أهل الحكم إنفصاماً سلطوياً بين الشخصية العامة والشخصية الفردية في نزاع متناقض بين الدولة والدين، وبين الدين والدين.

مجلس الوزراء الذي تُـناطُ بـهِ السلطة الإجرائية عندنا، حسب المادة «65» من الدستور، أصبح مجموعة حكومات مفرزة مذهبياً، بين شَـتات ​المارونية السياسية​ والسنيّة السياسية والثنائية الشيعية، مع ما يرافق ذلك من عوامل وثيقـةِ الترابط بين مصالح الداخل بالخارج فإذا واقع لبنان يتأرجح بين خليجين: ​الخليج العربي​ و​الخليج الفارسي​.

من قبلُ: كان التعارض بين السلطات يتلطّى خجولاً، خلف ذريعة دخانٍ رمادي، حين أوصى الرئيس ​فؤاد شهاب​ بعضَ خاصَّتـهِ بمكاشفة الرئيس ​صائب سلام​ للإستغناء عن السيكار، فكاد السيكار الى جانب زهرة القرنفل على صدر رئيس الحكومة يشكل حساسية حكم.

الأزمة اليوم تكثَّـف دخانُها بنيران ​الربيع العربي​ التي كانت الأنظمة العربية سبباً في عواصفه الدامية، ولقد استشعر بعض العرب مغبّـة الخطر الداهم، ما جعل المرجعيات السياسية في ​السودان​ و​الجزائر​ و​العراق​ تطالب ب​الدولة المدنية​ بديلاً من مذهبية السلطة وسلطة الأحزاب.

رئيس ​التحالف الوطني​ العراقي السيد ​عمار الحكيم​ يقول: «لا نريد دولة داخل الأحزاب بل نريد الأحزاب داخل الدولة».

والمرجع العراقي السيد ​علي السيستاني​ «يدعو العراقيين الى التزام موقف ​النأي بالنفس​ وعدم الـزجِّ بالعراق في الصراع الدائـر بين ​أميركا​ وإيران...».

ولأنَّ التشبُّـهَ بالكرامِ فلاحُ... ما رأيكم لو نستعين بالترياق الذي في العراق علاجاً للسمّ المستشري في جسمنا الطائفي؟