لم يعد خافياً ان وصول المواطن ​نزار زكا​ الى بيروت بات قاب قوسين او ادنى، بعد نحو اربع سنوات على اعتقاله في ​ايران​ والحكم عليه بالسجن عشر سنوات بتهمة التجسس لصالح دولة اجنبية (المقصود فيها ​الولايات المتحدة​ نظراً لارتباطه الوثيق بجهّات اميركيّة مدنيّة لطبيعة عمله).

اللافت في الموضوع انه في وقت يتهافت الكثيرون للحصول على جنسيّة اميركية، اثبتت الجنسيّة اللبنانيّة مرة جديدة انها ليست سيّئة على عكس ما يتم تصويره وتداوله من قبل لبننانيين وغير لبنانيين. وللتذكير فقط، فهي المرّة الثانية التي "تنقذ" فيها الجنسيّة اللبنانية مواطناً ينتمي اليها (بعد قضيّة رئيس الحكومة سعد الحريري في السعوديّة). اليوم، الجميع بات في انتظار وصول زكا الى بيروت، ولم تعد المسألة مجرد تحليل وتقدير لأنّها صدرت عن اكثر من جهة رسميّة في لبنان، وتم تداولها عبر وسائل اعلاميّة في ايران. ولكن، للمسألة استفسارات كثيرة واسئلة اكثر تدور حول التوقيت اولاً، والصيغة التي تمّ اعتمادها ثانياً، ولو ان النتيجة تبقى واحدة وهي الافراج عنه واعادة الحرية اليه.

في ما خص التوقيت، كان غريباً ان تأتي الخطوة في ظل "الفتور" في العلاقة بين ​طهران​ وواشنطن (الاهميّة في ادخال الولايات المتّحدة في الموضوع هو انها سبب اتهام زكا في بادىء الامر، وعلاقاته الجيّدة بشركات ومؤسّسات اميركيّة، وكونه حاصل على الاقامة الدائمة هناك). وهذا الفتور اتى تخفيفاً للسخونة الزائدة التي سادت بين الطرفين خلال الفترة الماضية. ولكن، بغض النظر، فإنّ الموضوع اخذ وجهة لبنانيّة نسبة الى الجنسيّة التي يحملها زكا، والى العلاقة القائمة بين ايران ولبنان. اليوم، هناك الكثيرون ممّن سينسبون الفضل اليهم في الافراج عن زكا، ولكن المنطق يقول بأنّ دور ​حزب الله​ المسهّل للاتصالات بين بيروت وطهران، اضافة الى عمل المدير العام للامن العام ​اللواء عباس ابراهيم​، والخطوة الرسميّة من ​رئيس الجمهورية​ بارسال رسالة الى نظيره الايراني في هذا السياق، هي الاساس في الوصول الى الغاية المرجوّة.

اما موضوع الصيغة التي تمّ اعتمادها للافراج، فكانت متوقّعة لانه وفق ما كانت تردده السلطات الايرانية من ان القضاء مستقل ولا دخل للسلطات فيه، وبالتالي اخذ الرئيس الايراني المبادرة بيده، فيما تولى قريبون منه التسريب في اكثر من مناسبة سابقاً انه يؤيد عدم بقاء زكا في السجون الايرانية لوقف الاحراج الذي تسببته دعوة نائبته لشؤون المرأة لزكّا بالذات للمجيء الى ايران والقاء محاضرات والمشاركة في ندوات.

وفي غياب حكم بالبراءة من المحكمة الايرانيّة، فإنّ العفو هو السبيل الوحيد، ولكنّه يأتي دون اعتراض المرشد الاعلى لايران، ولا الحرس الثوري بفضل الاتّصالات التي تمّت بين الجهات اللبنانيّة والايرانيّة المعنيّة، مع الاشارة الى انّ ظروف سجن زكا كانت مختلفة عن غيره من السجناء في كل انحاء العالم، وخصوصاً منهم المتهمون بالتجسس، حيث كان يرسل الرسائل بشكل دوري ويتواصل مع العالم بشكل مباشر في بعض الاحيان، ويعبّر عن آرائه السياسية دون حرج، حتى انه اعتبر في احد تصريحاته بعد ترشحه للانتخابات الفرعية في طرابلس، ان لبنان "بلد مُهيمن عليه" و"القرار ليس بيد الدولة"، وهو قرار سيسقط حتماً في اول تصريح لزكا بعد وصوله الى بيروت، ومن غير المستبعد ان يتوجه ايضاً الى قصر بعبدا لشكر الرئيس ميشال عون على اهتمامه ومبادرته.

هذه الخطوة الايرانيّة تحمل دلالات في اكثر من اتجاه، اهمّها ان من شأنها العمل على كسر الصورة "القمعيّة" للنظام الايراني، فالقضيّة حسّاسة بطبيعتها وارتباط صاحبها بجهات اميركيّة (ولو لم يثبت انها استخباراتيّة او تجسسيّة) يحمل خصوصيّات دقيقة في بلد مثل ايران، ناهيك عن اعتبار طهران انها تقوم بمبادرة "حسن نيّة" تجاه لبنان لتمنع بعض الاصوات اللبنانيّة من الاستمرار في انتقادها والتسويق لحصر العلاقة مع الدول الخليجيّة والعربيّة فقط على حساب ايران بالذات.

ويمكن القول ان هذه الخطوة لا تحمل سوى الايجابيّة ان بالنسبة الى ايران او الى لبنان، ومن الطبيعي ان تكون ايجابيّة ايضاً بالنسبة الى زكا وعائلته.