لفت رئيس ​جامعة الروح القدس​ – ​الكسليك​ الأب البروفسور ​جورج حبيقة​ خلال احتفال الجامعة بعيد شفيعها السنوي، خلال احتفال تخلله قدّاس ترأسه الرئيس العام للرهبانية ال​لبنان​ية المارونية والرئيس الأعلى للجامعة الأب العام ​نعمة الله الهاشم​، إلى أنه "يسرّني، عشيّة عيد العنصرة، أن أتوجّه أوّلًا بخالص الشكر للرئيس الأعلى لجامعة الروح القدس – الكسليك، قدس الأب العام نعمة الله الهاشم السامي الاحترام، على ​سياسة​ التطوير المستدام التي ينتهجها بعزم وشجاعة لصالح جامعتنا، على الرغم من الأوضاع الاقتصاديّة والاجتماعيّة الصعبة والحرجة التي يتخبّط فيها لبنان".

وأشار إلى "انني أودّ أن أتوجّه بأحرّ الأمنيات وبخالص الشكر لأسرة جامعة الروح القدس – الكسليك الكبرى من رؤساء سابقين وأخصّ بالذكر هنا الرئيسَين السابقَين للجامعة والعضوَين الحاليَّين في مجلس المدبرين للرهبانيّة اللبنانيّة المارونيّة، الأب البروفسور كرم رزق والأب البروفسور هادي محفوظ – إلى جانب نوّاب الرئيس ونوّاب الرئيس المفوَّضين ونائب الرئيس للشؤون الأكاديميّة والعمداء ورؤساء الأقسام والأساتذة والباحثين والمساعدين وأمناء السرّ والموظّفين، لا أبالغ في القول إنّنا نحتفل اليوم بعيدكم وبعيد طلّابنا الأعزّاء في إطار معادلة المربّين والمتعلّمين تحت جناح الروح، فكيف لا تعترينا الدهشة أمام تألّق أسرتنا الجامعيّة في إنجازاتها على صعيد التصنيفات الدوليّة وسياسة التميّز؟ تكاد تخذلني الكلمات للتعبير عن عميق امتناني لجسمنا التعليميّ الموقّر الذي يتفانى ليس فقط في نقل معرفة علميّة متينة ومتجرّدة وموثّقة ومحدّثة باستمرار، ولكن أيضًا في تنشئة الإنسان المتعدّد الأبعاد وإنّني لواثق من أنّ تضحياتكم ستكون بمثابة الزرع الذي يؤسّس لمستقبل جامعيّ أكثر إشراقًا".

وأضاف: "كذلك، اسمحوا لي أن أعبّر عن امتناني وتحيّاتي الأخويّة لجميع الأصدقاء الحاضرين بيننا اليوم، إنّ دعمكم المعنويّ المستمرّ ومشاركتكم في عيد جامعتنا يضاعفان فرحنا ويرسّخان حماسنا الأكاديمي،تُبرِز المقاربة الفلسفيّة واللاهوتيّة للجوهر الإنسانيّ حقيقة واضحة، ألا وهي أنّ الإنسان متعدّد الأبعاد، حيث يُعتبر العنصر الروحيّ عنصرًا سائدًا يضفي لونًا خاصًّا على تناغمات الكائن البشريّ بمختلف أشكالها، ​الحياة​ ههنا يُنظر إليها على أنّها عبور أو ترحال نحو نمط مختلف من الوجود، فالحياة الروحيّة تضخ في يومياتنا، السعيدة منها والمأساويّة، مضامين وجوديّة تتجاوز الزمان والمكان وتضع الإنسان في تماس مباشر مع مصير يتخطّى ​منظومة​ ​العالم​ المحسوس".

وتابع: إنه غنيّ عن القول إنّ عبارة "الروحانيّة" باتت تحمل في طيّاتها دلالات متنوعّة ومتناقضة، وبخاصّة ابتداءً من عصر الأنوار. على سبيل المثال، وفي إطار مشروعه لمجتمع جديد، يوصي الفيلسوف الألمانيّ الماركسي إرنست بلوخ Ernst Block في كتابه الشهير Das Prinzip Hoffnungمبدأ الرجاء الصادر في مجلّدات ثلاثة بين عامي 1954 و1957، بنقل الكنوز الضخمة المخزنة في الأديان، وعلى الأخص في ​المسيحية​، والتي يعتبرها بلوخ آنية لأسمى أشكال الإيطوبيا، إلى فكر علمانيّ يبشّر بملكوت سماوي بدون الله والمسيح الجديد المنتظر يرتد إلى مجرّد مخلّص اقتصاديّ وسياسيّ".

وأكد: "لكن يبقى أنّ الروحانيّة المأخوذة في إطارها الدينيّ الأساس... تعني الارتباط بـ"كائن أعلى" أزليّ سابق لكلّ وجود، بـ"الله"، بما هو "إلهيّ" وتشمل كافّة الممارسات الفكريّة والسلوكيّة التي من شأنها تقريب الإنسان من هذا "الكائن الأسمى" الذي هو "روح" بطبعه وتضفي على أيّ علاقة بهذا الكائن بعدًا روحيًّا محرّرًا من جاذبيّة المادّة التي تعتقل الإنسان في الأرضيات. هكذا، تضحي ​الصلاة​ والتأمّل والإماتات والزّهد والأعمال الخيريّة والمغفرة والمصالحة والحبّ الشامل والسلام الداخليّ والصرامة الأخلاقيّة "تقنيّات" ملائمة، لا بل ضروريّة، لجعل حياة الإنسان مسيرة نحو الوجود الآخر".