في الوقت الذي يعيش ​الشرق الأوسط​ تطوّرات في غاية الأهميّة، في ظلّ مُحاولات جدّية لتغيير وجه المنطقة، يغرق ​لبنان​ بمشاكله شبه المُعتادة وبملفّاته الروتينيّة. وسط هذه الأجواء، يُواصل وفد من "كتلة التنميّة والتحرير" جولاته على القوى والأحزاب السياسيّة في لبنان، للتعريف بقانون إنتخابي جديد ينصّ على إعتماد لبنان دائرة إنتخابيّة واحدة وفق مبدأ النسبيّة التامة ومن دون أي صوت تفضيلي، الأمر الذي دفع بعض القوى السياسيّة إلى التلميح مُجدّدًا بالقانون الأورثوذكسي. فما الذي يجري؟.

بحسب المَعلومات المُتوفّرة، إنّ رئيس مجلس النوّاب ​نبيه برّي​ مُصرّ على عدم إنتظار الأسابيع الأخيرة لتحريك ملف ​قانون الإنتخابات​ النيابيّة، وهو مُصرّ على طرح الموضوع قبل فترة زمنيّة مريحة من موعد الإنتخابات المُقبلة والمُفترضة في ربيع العام 2022. والأكيد أنّ رئيس حركة "أمل" ومعه مجموعة من القوى السياسيّة، جدّي في سعيه لتغيير قانون الإنتخابات النيابيّة الحالي، وجدّي في طرحه إعتماد لبنان دائرة إنتخابيّة واحدة، وفق مبدأ النسبيّة الكاملة، وهو أيضًا مع إسقاط "الصوت التفضيلي"، وذلك تحت شعارات تتحدّث عن تقديم الوطن والمُواطنيّة على التقوقع الطائفي والمذهبي، بالتزامن مع إدخال بعض المواد الجديدة، ومنها مثلاً منح النساء "كوتا" إلزاميّة تُوصل ما لا يقلّ عن 20 إمرأة إلى مجلس النوّاب المُقبل، وتُخفّض سنّ الإقتراع إلى عمر 18 سنة بدلاً من 21 سنة.

وفي الوقت الذي فضّلت أغلبيّة القوى والأحزاب والشخصيّات التي جال عليها وفد "كتلة التنميّة والتحرير" الإكتفاء بالإستماع إلى الطرح الإنتخابي الجديد، وترك موقفها منه مُبهمًا بحجّة المزيد من الدرس، جاهر حزب "القوات اللبنانيّة" بموقفه الرافض لمشروع القانون، على لسان رئيس "الحزب" ​سمير جعجع​ الذي رأى أنّ الطرح الإنتخابي المَذكور "وُلد ميتًا". من جهة أخرى، أكّد رئيس مجلس النوّاب السابق ​إيلي الفرزلي​ أن "المسيحيّين لن يمضوا بمشروع الدائرة الواحدة وفق نسبية قائمة على القاعدة العدديّة". وعلى الرغم من مُحاولته عدم التعليق سلبًا على إقتراح رئيس مجلس النواب الحالي، إنطلاقًا من علاقة الصداقة التي تجمعه ببرّي، ظهّر الفرزلي موقف "التيّار الوطني الحُرّ" بتأكيده ضرورة إعتماد قانون يُراعي كل الخُصوصيّات والمخاوف. وقال إنّ المشروع الأرثوذكسي لا يزال الأصلح.

وفي المعلومات أنّ موقف "التيّار الوطني الحُرّ" حازم لجهة رفض العودة إلى الوراء على مُستوى التمثيل المسيحي في أي قانون إنتخابي جديد، بعد أن سمح القانون الحالي للمسيحيّين بإيصال ما لا يقلّ عن 50 نائبًا بأصواتهم الذاتيّة، ومن دون منّة من أي طرف آخر. وعلى الرغم من الخلافات الحالية بين "التيّار الوطني الحُرّ" و"القوات اللبنانيّة"، فإنّ هاتين القوّتين السياسيّتين المسيحيّتين الأساسيّتين ترفضان-كلّ من موقعه، أيّ سطو جديد على الصوت الإنتخابي للناخب المسيحي في أي بُقعة من لبنان، تحت أي عنوان. وكلاهما يعتبر أنّ المسيحيّين وافقوا على مضض على بقاء نحو 14 نائبًا من حصّة المسيحيّين خارج دائرة تأثير الصوت المسيحي، في قانون الإنتخابات الحالي، بعد أن رفضت الجهات السياسيّة الإسلاميّة إعادة نقل بعض المقاعد النيابيّة إلى دوائر ذات أغلبيّة عدديّة مسيحيّة، لكنّهم غير مُستعدّين للعودة إلى قوانين إنتخابيّة تسمح بوُصول شخصيّات لا تُمثّل الشارع المسيحي ولا نبضه. وبالتالي، في حال إصرار بعض القوى على الترويج لمشاريع قوانين تُعطي الأولويّة للعدديّة، تحت شعار الإنصهار الوطني والتخلّص من الطائفيّة، إلخ. ستلجأ الأحزاب المُمثّلة للجزء الأكبر من المسيحيّين في المُقابل، إلى تحريك قوانين تسمح بأن ينتخب الناخب المسيحي كامل النوّاب المسيحيّين الذين يُحدّدهم الدُستور بما مجموعه 64 نائبًا من أصل 128 نائبًا، من دون إحتساب الإضافة العدديّة المتوقّعة لتمثيل الجاليات اللبنانية في العالم.

في الختام، صحيح أنّ ملفّ قانون الإنتخابات النيابيّة لن يُفتح جديًا من اليوم، لكنّ العناوين الحاليّة في هذا الشأن تدلّ على أنّ الموضوع سيكون شائكًا في المُستقبل، وهو سيدخل في سياق المُساومات اللبنانيّة والصراعات الداخليّة، علمًا أنّ إنتخاب المجلس النيابي المُقبل مهمّ جدًا كون هذا الأخير سيُنتخب قبل ستة أشهر من إنتهاء ولاية رئيس الجمهورية الحالي العماد ​ميشال عون​، وبالتالي هو الذي سيُحدّد هويّة الرئيس المقبل. من هنا، لن يكون من السهل الفصل بين "الكباش" المُتوقّع في المُستقبل بشأن منصب الرئاسة، عن "الكباش" المُتوقّع بشأن قانون الإنتخابات النيابيّة. وفي أفضل الأحوال، سيُؤدّي طرح مشاريع إنتخابيّة مُتضاربة، إلى تسوية تقضي بإدخال بعض التعديلات على القانون الحالي، مثل إعتماد "صوتين تفضيلين" مثلاً، وهو ما يُناسب بعض القوى السياسيّة دون سواها. أمّا في حالإشتدّ الخلاف بشأن القانون الإنتخابي الحالي، فلن يكون عندها من المُستبعد أن يتمّ التمديد للمجلس الحالي!.