عمل مكتب الادعاء في المحكمة الخاصة بجريمة اغتيال الرئيس ​رفيق الحريري​ على تحديد شهود يمكنه الاستناد الى أقوالهم لإدانة أربعة رجال باغتيال الحريري. وبما أنه كان قد ادّعى أن الأربعة ينتمون الى ​حزب الله​، المصنّف اسرائيلياً وأوروبياً وأميركياً منظمة إرهابية، عُدّت سرّية بعض الشهود مبرّرة ومقبولة حتى على قضاة المحكمة. وسيبقى شهود الادعاء مجهولين حتى بعد صدور الحكم. وبالتالي لا يمكن للبنانيين التأكد من صحة أقوالهم ومزاعمهم. ورفض المدعي العام الدولي الإفصاح عن حجم الأموال التي دفعت لهم، علماً بأن نصف الأموال التي دفعت لشهود الادّعاء السريين تأتي من خزينة الدولة اللبنانية

تقدم المحكمة الخاصة بلبنان الحماية والتسهيلات لشهود سريين لصالح فريق الادعاء. ومن بين إجراءات الحماية نقل هؤلاء الشهود سراً إلى مكان مجهول في أوروبا ومنحهم أوراقاً ثبوتية ومكاناً للسكن لهم ولعائلاتهم وتغطية كاملة لنفقاتهم اليومية. هذه الإجراءات تبدو جذابة لكثير من اللبنانيين وقد يتبيّن لاحقاً أن عدداً من الأشخاص زعموا أنهم «شهود» وأن لديهم معلومات عن «حزب الله» بهدف الهجرة إلى أوروبا وتقاضي راتب شهري وتسهيلات حياتية لهم ولعائلاتهم بسبب الظروف المعيشية الصعبة التي يعانون منها في لبنان.

وقد أبلغ فريق الدفاع بوجود شهود سريين لدى الادعاء يتمتعون بإجراءات حماية. وفي تشرين الأول ٢٠١٣، أرسل الفريق المكلّف الدفاع عن حقوق السيد حسين حسن عنيسي إلى مكتب الادعاء كتاباً يطلب من خلاله معلومات عن أي مبالغ دفعت لشاهد أدلى بإفادات إلى الادعاء وكان اسمه مدرجاً على قائمة شهود الادعاء الذين كانوا سيدلون بشهاداتهم خلال المحاكمة. فأجاب الادعاء أن ليس لديه أي شيء «لم يكشف عنه مما يستوجب الكشف بموجب قواعد الإجراءات والإثبات». فطلب الدفاع إلى الادعاء توضيح ما إذا دُفعت أي مبالغ أو قُدّمت أي منافع للشاهد. كما طلب الدفاع المعلومات نفسها بالنسبة إلى شاهد آخر.

لكنّ الادعاء كرّر رفضه تقديم التوضيح المطلوب، بحجة أن هذا الطلب «يفتقر إلى أساس قانوني». فأودع فريق الدفاع عن حقوق السيد عنيسي طلباً يلتمس فيه من غرفة البداية في المحكمة أن تطلب إلى الادعاء الكشف عن جميع السجلات التي في حوزته، أو تحت رقابته، أو يعرفها وهي سجلات «مهمة لتحضير الدفاع». وتتناول هذه السجلات:

(١) مبالغ أو منافع غير نقدية مباشرة أو غير مباشرة قُدمت إلى الشاهدين أو أي فرد من عائلتيهما، سواء من خلال السلطات اللبنانية، أو لجهة التحقيق الدولية التابعة للأمم المتحدة، أو الادعاء.

(٢) مبالغ أو منافع غير نقدية مباشرة و/أو غير مباشرة، تقدّم في المستقبل على نحو متواصل إلى الشاهدين أو أي فرد من عائلتيهما، سواء من خلال السلطات اللبنانية، أو لجنة التحقيق الدولية المستقلة التابعة للأمم المتحدة، أو الادعاء.

إن وحدة المتضررين والشهود في المحكمة الخاصة بلبنان هي المسؤولة عن تسديد نفقات الشهود الذين يدلون بشهاداتهم أمامها. ويحصل ذلك بطريقة مماثلة لتلك المتّبعة في ​المحكمة الجنائية الدولية​ ليوغوسلافيا السابقة. ويعتمد مكتب المدعي العام في المحكمة الخاصة بلبنان إجراءات تنفيذية تغطي النفقات التي يتكبدها شهود الادعاء «في الميدان» وهي النفقات العادية مثل نفقات السفر بواسطة ​النقل العام​ أو كلفة وقود السيارات الخاصة، والسكن، ووجبات الطعام، وتحسب كلّها بالاستناد إلى بدلات الإقامة اليومية التي تعتمدها ​الأمم المتحدة​ في مكان وجود الشاهد ومكان المقابلة. وبالتالي إن إصرار فريق الادعاء على حجب هذه المعلومات مستغرب ومشكوك فيه.

طلب فريق الدفاع عن حقوق السيد عنيسي تفاصيل عن جميع المبالغ أو المنافع التي سبق أن دُفعت لشاهدين محددين. فرفض الادعاء تقديم تلك المعلومات وذكر في جوابه على الطلب أنه لم تُقدم أي مبالغ أو منافع «خاضعة للكشف».

وهنا لا بدّ من السؤال عن الأسباب التي تجعل من بعض المبالغ أو المنافع «غير خاضعة للكشف» وعمّا إذا كان ذلك يتناسب مع مبدأ شفافية المحاكمات وعلنيتها.

أضاف الادعاء العام أن ليست لديه معلومات عن أي مبالغ أو منافع غير نقدية وغير مباشرة تُقدم في المستقبل، وأن هذه المعلومات لا يمكن أن تكون بحوزته. وبدا أن الادعاء يؤكد من خلال ذلك، أن المبالغ الوحيدة التي دفعت للشاهدين هي تلك التي تغطيها «الإجراءات التنفيذية الموحّدة: النفقات التي يتكبدها الشهود في الميدان»، وهذه المبالغ غير خاضعة للكشف بحسب غرفة الدرجة الأولى. ولم تحدد الغرفة سبب ذلك التعتيم.

على أي حال حسمت الغرفة ألا تخضع للكشف إلا المبالغ أو المنافع التي تتعدى «النفقات المعقولة». بينما المطلوب هو الكشف عن كامل نفقات شهود الادعاء. واعتبرت الغرفة أن محامي الدفاع لم يظهروا أن المعلومات المطلوبة «يُحتمل أن تكون نافية للتهم»، ولم يثبتوا أن المواد المطلوبة هي في حوزة الادعاء أو تحت رقابته. ولم يظهروا كذلك أهمية الحصول على معلومات من الادعاء تفيد بأن الشاهدين لم يتلقّيا إلا النفقات المعقولة المشمولة في الإجراءات التنفيذية الموحّدة للادعاء، وهي معلومات مهمة «لتحضير الدفاع». لذا ردت غرفة الدرجة الأولى طلب الدفاع.

إن رفض قضاة ​المحكمة الدولية​ الطلب من الادعاء الكشف الكامل عن الأموال التي صُرفت لتغطية نفقات الشهود يثير مزيداً من الشكوك بشأن مصداقيتهم ويدفع الحريصين على العدالة الصادقة إلى البحث عن تلك المعلومات ونشرها ولو بعد حين.

غموض البيانات الوصفية للشهود

في ٢١ شباط ٢٠١٣، قام محامو الدفاع عن السيد سليم جميل عياش، والسيد مصطفى أمين بدر الدين، والسيد حسين حسن عنيسي، والسيد أسد حسن صبرا بإيداع طلب حصولهم على بيانات واضحة لشهود الادعاء من خلال النظام الإلكتروني للبيانات القضائية.

قال فريق الدفاع إن الادعاء لم يوفر المعلومات اللازمة لملء حقول البيانات الوصفية المتعلقة ببيانات الشهود. وأشار الدفاع أيضاً إلى أن الكشف عن المواد المتعلقة بهؤلاء الشهود لم يتم وفقاً لأحكام بروتوكول الكشف. وقد وضع بروتوكول الكشف في صيغته النهائية في ٢٧ شباط ٢٠١٢ إثر مناقشات بين الادعاء ومكتب الدفاع، ومشاورات مع سائر الأجهزة المعنية في المحكمة.

ينصّ بروتوكول الكشف على واجب الادعاء «كشف المعلومات على نحو منتظم». ولاحظ الدفاع أن عملية ملء حقول البيانات الوصفية المتعلّقة بالشهود الذين كشفت هويتهم في المذكرة التمهيدية للادعاء تعتبر «عشوائية على أفضل تقدير»، وأن الادعاء وحده يمكنه تحديث حقول البيانات الوصفية. والتمس الدفاع إصدار قرار يلزم الادعاء بتحديث جميع حقول البيانات الوصفية ذات الصلة.

ويعتبر فريق الدفاع أن عمله عُرقل بسبب الافتقار إلى الروابط الإلكترونية التي يحتاج إليها للوصول إلى بيانات الشهود وإفادات الشهود وغيرها من المواد ذات الصلة.

أما الادعاء فأشار إلى أن أيقونة «العلاقة» التي تسمح لمستخدمي النظام الإلكتروني للبيانات القضائية بالربط بين بيانات الشهود وإفادات الشهود لم تعد ظاهرة «ولكنها لا تزال موجودة». ولهذه الأسباب، يعتبر الادعاء أن شكاوى الدفاع تتعلق في جوهرها بـ«قصور مزعوم في مجال تكنولوجيا المعلومات» وأن معالجتها تقع على عاتق قلم المحكمة.

لكن قلم المحكمة نفى تعرّض النظام الإلكتروني للبيانات القضائية لأيّ عائق تقنيّ يمنع تحديثه.

قرر قاضي الإجراءات التمهيدية أن يكون قاضياً للصلح وكأن الموضوع لا يتعلق بتأمين شروط المحاكمة العادلة بل بخلاف بين موظفين في المحكمة، فخلص إلى أنه، وفقاً لبروتوكول الكشف، يجب على الادعاء والدفاع، بالتشاور مع قلم المحكمة وعلى ضوء رد القلم «أن يحاولا بصورة ودّية تذليل أي صعوبات وحلّ أي خلافات تتعلق بالكشف قبل عرضها» عليه إذا اقتضى الأمر ذلك. ولهذه الأسباب، ردّ قاضي الإجراءات التمهيدية طلب الدفاع، وبقيت بيانات شهود الادعاء غامضة لمن كلف بالدفاع عن حقوق أشخاص يُحاكمون غيابياً.