أكّد وزير العدل ​ألبير سرحان​، أنّ "وسط الصعوبات الّتي ترخي بثقلها على هذا الوطن الصغير، وعلى المنطقة بأكملها، يحتفل ​لبنان​ بجامعاته تخرّج دفعة تلو دفعة من طلابها".

ولفت في كلمة له خلال تخريج دفعة ثانية من الطلاب في "​جامعة الروح القدس​ - ​الكسليك​"، إلى أنّه "كيف لا نقف بدهشة واحترام أمام هذا اللبنان الصغير، إنّهم يستهدفونه كلّ يوم، ولكنّه ينبعث ويحيا كلّ يوم. وفي الوقت الّذي يقبض ​العنف​ على الأرض والبشر ويتنقل من مكان إلى آخر، تنبت ​الجامعات​ في لبنان ليتعلّم الشباب ويتثقف. إنّه لبنان، إنّها رسالته: صناعة العلم والمعرفة، والإبحار بهما إلى جميع بقاع الأرض، هكذا كان في عمق التاريخ وهكذا سيبقى".

وتوجّه سرحان إلى المتخرّجين بالقول: "على مشارف فجر جديد، وغد رافل بالطموحات والأماني، تتوجّهون إلى مسارح الحياة مزوّدين بالوافر من المعارف وبالعالي من المناقب، بسلاح القلم والفكر والبصيرة والحكمة وشغف البحث والتوق إلى العطاء، ولا غرابة لأنّكم نهلتم هذه الفضائل من لدن صرح جامعي روحي وطني إنساني ثقافي كبير، وفّر لكم علمًا غزيرًا وقيمًا راسخة".

وركّز على أنّه "ثقافتين تتصارعان على هذه الأرض اليوم: ثقافة المعرفة، وأنتم من نتاجها، وثقافة التطرف الديني والإيديولوجي. فبينما يكبّل التطرّف بكلّ أوجه الإنسان بحدود مصطنعة بينه وبين أخيه الإنسان، تأتي المعرفة وتمحو كلّ هذه الحدود. التطرّف يفرّق أمّا المعرفة فتجمع. التطرّف ينحدر بكم إلى الأسفل أمّا المعرفة فترتفع بكم إلى الأعلى"، موضحًا أنّ "ما من قوّة تحرّركم من قشوركم كالمعرفة، إذ كلّما غصتم عميقًا في المعرفة، اقتربتم من الله واقتربتم بعضكم من بعض وقام لبنان الذي نريده".

وشدّد على "أنّني لست هنا اليوم لأسدي إليكم النصح، بل جئت أعترف لكم بما تعلّمته خلال مسيرتي العمليّة طوال خمسين عامًا، خلت لعلّ في ذلك خيرًا لكم. لقد تعلّمت أنّ النجاح في العمل ليس ممكنًا إن لم تحب عملك. فالحب هو القوّة الّتي تحرّر العمل من التعب والضجر وتملأه فرحًا وجمالًا"، مؤكّدًا أنّ "طريقي لم تكن معبّدة بل كانت فيها حفر كبيرة وكثيرة، وهكذا ستكون الطريق أمامكم، غير أنّني تعلّمت أنّ الشجاعة ضروريّة للوصول إلى نهاية الطريق. فإذا وقعتم يومًا في حفرة، وتملككم الخوف وعدتم إلى الوراء، فلن تصلوا يومًا إلى أهدافكم".

وذكر سرحان "أنّني تعلّمت أيضًا أنّ النجاح يحتاج إلى وقت طويل. فالطريق إلى الأعلى تحتاج إلى جهد كبير وصبر طويل. وتعلّمت أنّ الفشل هو مرحلة يجب أن نمرّ بها للعبور إلى النجاح. وتعلّمت أنّ المال والنفوذ والشهرة تشكّل دون أيّ شكّ قوّة كبيرة، أمّا القوّة الأكبر فهي أن تمتلك نفسك وتحترمها". ونوّه إلى أنّ "كثيرين تمكّنوا من تسلّق القمّة، إلّا أنّهم سرعان ما تدحرجوا إلى الهاوية. لقد جئت لأدعوكم إلى أن تحلموا أحلامًا كبيرة، وأحلامًا أكبر من الوصول إلى المال والشهرة والسلطة، أحلامًا أكبر منكم، إذ انّكم تجهلون اليوم ما أنتم قادرون على صنعه غدًا".

كما بيّن "أنّني تعلّمت أنّ السعادة هي عكس ما كنت أعتقد عندما كنت مثلكم، يومها كنت أعتقد أنّ السعادة هي النجاح ولكنّي عرفت الكثيرين من الّذين تمكّنوا من الوصول إلى القمة في عملهم ولم يتمكّنوا من الوصول إلى السعادة"، مشيرًا إلى أنّ "هذا بعض ما تعلّمته أيّها المتخرّجون، أضعه بين أيديكم، علّه يكون ذا فائدة لكم. ولا أخفيكم أنّني خائف على مستقبل الإنسانيّة فيكم، الّتي بدأت تتراجع أمام التقدّم السريع والمخيف في علم التكنولوجيا".

ورأى إنّه "قد يأتي يوم يُعتبر فيه كلّ ما ليس بالإمكان إدخاله في الكمبيوتر غير موجود بالفعل، والحقيقة أنّ الأشياء الكبيرة في الإنسان غير موجودة في الكمبيوتر. فالحبّ والمحبّة والحنان والرفق والسماح والنخوة والشهامة والكرامة والنبل... كلّها أشياء من طبيعة الإنسان ولكنها تبقى خارج عالم الكمبيوتر".

وذكّر سرحان المتخرّجين، بـ:الولاء. الولاء للأهل، الولاء لأساتذتكم، الولاء للذين ساعدوكم، والولاء للوطن. أرجو أن تغفروا لنا لأنّ جيلنا لم يبنِ وطنًا يليق بكم وبطموحاتكم، ونأمل أن يتمكّن جيلكم من بناء لبنان جديد بحجم عظمة تاريخه وعظمة حضوره في العالم". وتوجّه إلى المتخرّجين قائلًا: "اذهبوا اعملوا وازرعوا في الأرض، وطاردوا أحلامكم، ولكن إياكم أن تنسوا يومًا من أنتم ومن أين أتيتم، ومن هم أهلكم، وأي أرض في الأرض هي أرضكم".

إلى ذلك، أفاد بأنّ "غدًا تبدأ مرحلة جديدة من حياتكم وستنشغلون في أعمالكم، ولكن خصّصوا كل يوم دقائق معدودة وارفعوا الصلاة إلى الله وأشكروه على كلّ ما أعطاكم، ومن أجل لبنان اطلبوا منه أن يتطلّع من السماء وينظر ويتعهّد هذه الكرمة الّتي يداه غرستها ويصلحها".

بدوره، توجّه رئيس الجامعة الأب الدكتور طلال هاشم، إلى المتخرّجين بالقول: "أود أن أبدأ حديثي معكم عن أهلكم. إنّ أهلكم أبطال تنحني أمامهم الرؤوس احترامًا، لأنّهم سكبوا الذات وما لديهم من أجلكم ومن أجل نجاحكم. أيها الأهل الأحباء، لكم كلّ احترام وتقدير وتأثيركم يؤثّر فينا جميعًا، لأنّ فيكم نرى الإنسان الّذي يعي أنّ مسيرة الحياة ماضية إلى الأمام وأنّ من مسؤوليّة كلّ أحد أن يلعب دوره كما يجب، في مرحلة معيّنة".

وأشار إلى "أنّني أرى مع الكثيرين الكثيرين، أنّ جامعتكم تتألّق وتزهو. إنّها تزهو أوّلًا بكم، أنتم طلابها وخرّيجوها. وهي تزهو بما تحقّقه من نجاحات ومن تقدّم مطّرد على صعيد الاعتمادات، وعلى صعيد التصنيف الدولي، وعلى صعيد شبكة العلاقات الدولية الّتي تتابع نسجها مع أفضل الجامعات والمرجعيّات العالميّة. وأراها تزهو بانتمائها الى ​الرهبانية اللبنانية المارونية​، لأنّ هذه الرهبانية هي رهبانية القديسين، وهي رهبانية تعشق لبنان، وهي رهبانية تحمل قيمًا يتوق كلّ مجتمع أن تكون فيه".

وأكّد أنّ "الجامعة سوف تتتبّع خطاكم بشغف، كما عين الأم الّتي تسهر من بعيد على إنجازات أبنائها وتنتظرهم في حال انتابهم، لا سمح الله أيّ طارئ أو إخفاق، لتشجّعهم وتشدّد عزائمهم".

وقد بلغ عدد المتخرجين 1025 طالبًا وطالبة، حاملي شهادات الإجازة والماستر والدكتوراه من حرم الجامعة الرئيسي وجميع فروعها.