ما أن بدأت ​وزارة العمل​ بتطبيق القوانين ال​لبنان​يّة المَرعيّة الإجراء والتي تُنظّم اليد العاملة الأجنبيّة العاملة في لبنان، وبتطبيق خطّة ترمي إلى مُكافحة اليد العاملة الأجنبيّة غير الشرعيّة في لبنان، حتى إنطلقت بعض الإحتجاجات والإعتصامات وبعض التصاريح الرافضة للقرار، مع توجيه إتهامات تدّعي التصرّف بعُنصريّة إزاء السوريّين والفلسطينيّين، وتتحدّث عن أسباب خفيّة وراء قرار وزارة العمل. فهل هذا صحيح؟.

الإجابة البديهيّة والمُباشرة هي: بالتأكيد كلا! والمسألة ليست عبارة عن رأي أو وجهة نظر، بل تستند إلى وقائع ملموسة وواضحة. وفي هذا السياق، لا بُد من الإشارة إلى أنّ اللبنانيّين عندما يتوجّهون إلى أي بلد في ​العالم​، أكان للسياحة أو للتعلّم أو حتى للإقامة وللعمل، يتقيّدون بقوانين البلد المَعني ويستحصلون على كل الأوراق والمُستندات المطلوبة لهذا الأمر، وهم يدفعون كل ما عليهم تسديده من ضرائب ورسوم. وكل اللبنانيّين الذين يعملون في ​الخليج​ مثلاً، أو في أي بلد أوروبي أو غربي، يُطبّقون القوانين بحذافيرها، لحماية حُقوقهم ولشرعنة وُجودهم وعملهم. وهذا الأمر ينطبق على أي شخص يُغادر بلده الأم إلى وجهة جديدة، ولا يقتصر على اللبنانيّين بطبيعة الحال.

أمّا في لبنان، فأي مُحاولة لتطبيق القانون، تُواجه مُباشرة من قبل بعض المُتضرّرين بحملات مشبوهة، تارة تحت عناوين سياسيّة وتارة أخرى تحت عناوين طائفيّة، وغالبًا تحت عناوين عرقيّة وعنصريّة، علمًا أنّ العامل اللبناني هو الذي يُعامل بعُنصريّة مَرفوضة قبل سواه! كيف لا، والعامل اللبناني بات يُسرّح من عمله، ليتم توظيف عُمّال من جنسيّات أخرى مكانه بشكل فوضويّ وغير قانوني، بهدف التهرّب من قوانين العمل وتوفير بضع مئات من الدولارات من قبل صاحب العمل، عن كل عامل أو موظّف لديه! كيف لا، وفرص العمل صارت مُقفلة أمام العامل اللبناني لصالح عمّال من جنسيّات أخرى، لا يتقيّدون بأي قانون ولا يُسدّدون أي رسم أو ضريبة لصالح خزينة ​الدولة​، شأنهم شأن أصحاب العمل الذين يسعون للتهرّب من قوانين العمل لغايات ماديّة محض. وليس بسرّ أنّ الأزمة الإقتصاديّة تطال العامل اللبناني قبل سواه، ليست فقط بسبب إنحسار فرص العمل بشكل عام، بل بسبب تسلّل العمّال غير اللبنانيّين إلى ما تبقّى من وظائف مُتاحة، وقُبولهم بالعمل برواتب أقلّ من تلك التي يطلبها اللبناني، بفعل تهرّبهم من الرسوم و​الضرائب​ التي على العامل اللبناني تسديدها، الأمر الذي يُشكّل أكبر تمييز عُنصري بحقّ اللبناني الذي فقد حقّه بالعمل لصالح أشخاص يحتالون على القوانين اللبنانيّة ويتهرّبون منها. وليس صحيحًا على الإطلاق أنّ العمّال غير اللبنانيّين يعملون بوظائف لا يقبل اللبناني العمل بها، فاللبنانيّات يعملن كبائعات في المحال التجاريّة وفي خدمة الزبائن في ​المطاعم​، واللبنانيّون يعملون كسائقي سيّارات أجرة أو يُديرون أفران للمناقيش، وهم يعملون أيضًا في قطاعات ​الكهرباء​ و​المياه​ ونقل البضائع، والأمثلة لا تنتهي!.

من هنا، كان قرار وزارة العمل، وبتوجيهات مُباشرة وحازمة من قبل وزير العمل ​كميل أبو سليمان​، بضرورة تطبيق القوانين اللبنانيّة الخاصة بتنظيم الأعمال على الأراضي اللبنانيّة، على كل العاملين من دون أي إستثناء، وبالتالي القرار لا يستهدف العمّال السُوريّين أو الفلسطينيّين–كما يزعم البعض، بل يطال كل العمّال على الأراضي اللبنانيّة بغضّ النظر عن الجنسيّة التي يحملونها. فلماذا على العامل المصري أو على مُدبّرة المنزل الإثيوبيّة مثلاً، تطبيق القوانين ودفع الرسوم الخاصة بالإقامة وبالعمل، في الوقت الذي يتهرّب فيه العامل السُوري أو الفلسطيني من ذلك؟! فالمسألة غير مُرتبطة بالإشاعات الكاذبة والحجج الواهية التي يُطلقها المُعترضون، ولا بالسيناريوهات الخياليّة التي ينسجونها، عندما يتحدّثون عن خُضوع للنظام السُوري، أو عن موافقة على "​صفقة القرن​"، أو عن "مؤامرات توطين"، إلى ما هناك من فقاعات إعلاميّة لا تهدف سوى لتمديد الوضع الشاذ، عبر إستباحة حُقوق العامل اللبناني، من قبل عُمّال غير لبنانيّين كانوا حتى الأمس القريب يتهرّبون من القوانين اللبنانيّة.

ومن الضروري الإشارة إلى أنّ تقيّد العمّال الأجانب، أكانوا من الجنسيّتين السُورية أو الفلسطينيّة أو من أي جنسيّة أخرى، بقوانين العمل في لبنان، يحفظ لهم حُقوقهم، لجهة تقاضي الرواتب والتعويضات عند الصرف التعسّفي أو نهاية الخدمة، إلخ. والمُستندات المطلوبة للإقامة بشكل شرعي، وللعمل بشكل قانوني، ليست مُستحيلة، بل هي عبارة عن مجموعة من المُستندات السهلة التحصيل، والتي تترافق مع رسوم مالية سُرعان ما يكسبها العامل فور مُزاولته عمله بشكل علني وقانوني. أكثر من ذلك، إنّ القوانين اللبنانيّة تمنح العامل الفلسطيني إمتيازات عدّة يُمكنه الإستفادة منها تلقائيًا بمُجرّد التقيّد بقوانين إجازة العمل.

في الختام، لا بُد من الإستعانة بعبارة مُهمّة وردت في البيان التوضيحي الذي صدر عن وزارة العمل اللبنانيّة مُنذ أيّام قليلة، وجاء فيها أنّ "تطبيق القانون واجب وليس خيارًا"، وبالتالي من الضروري أن تعمل مُختلف القوى على مُؤازرة ودعم خطوات تنظيم اليد العاملة الأجنبيّة غير الشرعيّة في لبنان، حفاظًا على حُقوقها، وحفاظًا على حُقوق اليد العاملة اللبنانيّة التي عانت وتُعاني من عُنصريّة مرفوضة بحقّها، من قبل بعض أصحاب العمل بهدف كسب بعض الأموال الإضافية المَحدودة على حساب إقتصاد الوطن والإستقرار الإجتماعي والمعيشي في لبنان ككل!.