تتواصل الإحتجاجات الفلسطينيّة على قرار وزير العمل ​كميل أبو سليمان​ تطبيق بُنود ​قانون العمل​ على غير اللبنانيّين، والتي تأخذ أشكالاً مُختلفة(1)، مع تسجيل بعض التحرّكات المُؤيّدة من بعض الأطراف والهيئات اللبنانيّة(2)، بشكل فاق أيّ إعتراضات حصلت عند إعلان إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب القدس عاصمة لإسرائيل، وفاق أيضًا أيّ إعتراضات على قيام ​الجيش الإسرائيلي​ في السابق بالعديد من المجازر والهجمات الدمويّة ضُد الفلسطينيّين. فهل ما يحصل في لبنان إعتراضًا على إجراء تقني ومبني على القوانين اللبنانيّة، مُبرّر، أم أن هناك جهات مشبوهة تعمل على توتير الأجواء لغاية مخفيّة، وماذا عن مخاطر ما يحصل؟.

بالطبع إنّ ما يجري من إحتجاجات ومن إعتراضات ضُدّ إجراءات ​وزارة العمل​، غير مُبرّر على الإطلاق، من أيّ جهّة أتى، لأنّ وزير العمل لم يقم سوى بوضع قوانين لبنانيّة موجودة أصلاً، موضع التطبيق والتنفيذ، من دون أن يستهدف أيّ عمالة أجنبيّة مُحدّدة. وسعي وزارة العمل لتطبيق القوانين اللبنانيّة، يهدف إلى حماية اليد العاملة اللبنانيّة من المُنافسة غير الشرعيّة، وكذلك إلى تنظيم العمالة غير اللبنانيّة وحفظ حُقوقها أيضًا. والإجراءات المُتخذة لتطبيق هذه الخطة لا تستهدف الفلسطينيّين بأيّ شكل من الأشكال، بل هي تشمل خُصوصًا اليد العاملة السوريّة التي تُشكّل النسبة الأكبر من غير اللبنانيّين العاملين على الأراضي اللبنانيّة حاليًا، وهي تشمل أيضًا بطبيعة الحال، نحو ثلاثمئة ألف عامل من جنسيّات مختلفة، يتوزّعون على كل من مصر وإثيوبيا والهند وغيرها، علمًا أنّهم مُسلّجون لدى دوائر الأمن العام، ويعملون بشكل قانوني بناء على إقامات شرعيّة وعلى رخص عمل نافذة.

والمُفارقة أنّ الفلسطينيّين بالتحديد والذين يُطالبون بعدم إعتبارهم أجانب، يستفيدون أساسًا من تعديلات عدّة جرى إدخالها على قانون العمل في العام 2010. ومن بين إمتيازات عن باقي العُمّال غير اللبنانيّين، كعدم دفع رسم إجازة العمل، في حين يدفع صاحب العمل الفلسطيني 25 % فقط من قيمة رسم إجازة العمل، علمًا أنّه يحقّ للاجئ الفلسطيني العمل بالعديد من المهن بإستثناء المهن المُنظّمة ضُمن نقابات والصادرة بنصّ قانوني يُحظر ممارستها من قبل غير اللبنانيّين. ويستفيد الأجير الفلسطيني من ميزة مهمّة أخرى لجهة حُصوله على تعويض نهاية الخدمة في الضمان في حال كان مُسجلاً. وقد قام وزير العمل بتسهيل الأمور أكثر، حيث خفّف الإجراءات في ما خصّ المُستندات المَطلوبة للحُصول على إجازة عمل.

إشارة إلى أنّ من شأن تنظيم اليد العاملة غير اللبنانيّة في لبنان أن يفضح الأرقام الحقيقيّة لهؤلاء، وهو أمر تسعى أكثر من جهة لإخفائه، وذلك لغايات مختلفة تجمع بين السياسي والأمني والديمغرافي. وفي هذا السياق، ليس صحيحًا أنّ عدد ​اللاجئين​ الفلسطينيّين في لبنان هو فقط 174,422 لاجئًا(3)، حيث أنّ لبنان يستضيف 12 مُخيّمًا فلسطينيًّا و156 تجمّعًا فلسطينيًا موزّعين على كامل أراضيه، وزيارة أي مخيّم أو مُجمّع من هذه المخيّمات أو التجمّعات المُكتظّة، يظهر أنّ الرقم الحقيقي للفلسطينيّين هو أكبر من ذلك بكثير، في ظلّ تقديرات تؤكّد أنّ الرقم الفعلي هو ثلاثة أضعاف الرقم المذكور بالإحصاء على أقلّ تقدير! ومن جهة أخرى، ليس صحيحًا ما تقوله المُفوّضيّة السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بشأن عدد النازحين السُوريّين في لبنان، حيث تتحدّث عن 935,454 نازحًا سوريًا مُسجّلاً في لبنان، علمًا أنّ الرقم الحقيقي لهؤلاء يتضمّن أكثر من مليون ونصف مليون يقيمون في مساكن مُستأجرة، وهم غير مُسجّلين بلوائح، لأسباب مُختلفة.

وبالنسبة إلى المخاطر التي تُثيرها التحرّكات الفلسطينيّة الإحتجاجيّة، فأبرزها إحتمال أن تستغلّ جماعات إرهابيّة للفوضى المُرافقة للإحتجاجات وللتظاهرات السيّارة وغيرها، داخل المُخيّمات وفي مُحيطها، لتهريب المَطلوبين. كما أنّ هذه التحرّكات التي تُنفّذها جماعات فلسطينيّة لا تزال تحتفظ بسلاح فقد وظيفته كليًا في الصراع مع إسرائيل، يشكّل ضغطًا على القوى الأمنيّة اللبنانيّة التي تجهد للحفاظ على الهدوء والإستقرار العام في البلاد، ولمنع أيّ أعمال شغب قد تُعرّض السلم الأهلي للخطر، خاصة وأنّ عددًا من المُشاركين في الإحتجاجات يعتمد أسلوبًا إستفزازيًا في التعبير عن رأيه، ولا يتردّد في إطلاق هتافات مُعادية وشتائم بحقّ وزير العمل والسُلطات اللبنانيّة المُولجة تطبيق القانون وبعض الأحزاب والقوى السياسيّة اللبنانيّة، في تكرار لما حصل عشيّة الحرب اللبنانيّة في العام 1975!.

في الختام، إنّ وزير العمل ماضٍ قُدمًا في تطبيق القوانين، وهو إتخذ كل الإجراءات الضروريّة لإزالة هواجس بعض الفئات، وبالتالي لا مجال لوقف الإجراءات مع الفلسطينيّين أو سواهم، إلا عبر إصدار مُذكّرات وقرارات ومراسيم عدّة، يجب أن تعبر مسارًا قانونيًا في كلّ من مجلسي الوزراء والنوّاب. ولعلّ ما حدث أخيرًا يدفع إلى التساؤل ما إذا كان الوقت قد حان لتنفيذ القرارات الدَوليّة الداعية إلى فرض سُلطة الدولة اللبنانيّة وحدها على أراضيها، لا سيّما القرار 1559(4) منعًا لإستمرار هذا الظواهر الشاذّة وغير المقبولة في أيّ دولة ذات سيادة. فإذا كانت الفصائل الفلسطينيّة قد تناست خلافاتها الداخليّة الكبيرة، وتحرّكت بشكل مُوحّد ضُد السُلطة اللبنانيّة مُمثّلة بوزارة العمل، بسبب موضوع تقني صغير، فماذا لو قرّرت هذه القوى التحرّك أمنيًا ضُدّ أيّ قرار لبناني سياسيّ أو أمني مهمّ في المُستقبل؟ والأسئلة التي تفرض نفسها: إلى متى هذا الوضع الشاذ سيستمرّ، وإلى متى ستبقى بعض القيادات اللبنانيّة تُغطّي هذا التحدّي للقوانين اللبنانيّة من قبل لاجئين يُفترض أن يتصرّفوا كضيوف خفيفي الظلّ وأن يشكروا لبنان واللبنانيّين على وقوفهم إلى جانب الفلسطينيّين في محنتهم، بدلاً من التصرّف بعنجهيّة وفوقيّة وعدائيّة، وكأنّ هذه الجماعات هي صاحبة الأرض وهي صاحبة الحق، غير آبهة بأيّ قانون وبأيّ دُستور وحتى بأي رادع أخلاقي؟!.

1- إضرابات، إعتصامات، تظاهرات راجلة وسيّارة، وندوات ولقاءات تأييد، إلخ.

2- تظاهرات في صيدا، مع كلمة للأمين العام للتنظيم الشعبي الناصري، النائب أسامة سعد. كما يُعقد الثلاثاء مؤتمر إعلامي في مقر الإتحاد الوطني لنقابات العمّال والمُستخدمين في لبنان في "وطى المصيطبة.

3- بحسب ما أظهر تعداد عام للسُكان والمساكن في المخيّمات والتجمّعات الفلسطينيّة في لبنان، نظّمته إدارة الإحصاء المركزي والجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني.

4- كان قد صدر في العام 2004، وهو دعا إلى حلّ جميع الميليشيات اللبنانيّة وغير اللبنانيّة ونزع سلاحها.