كل المؤشرات الحالية توحي بأن رئيس "الحزب التقدمي الإشتراكي" النائب السابق ​وليد جنبلاط​ قرّر الذهاب إلى المواجهة، بعيداً عن كل الإعتبارات التي ترافق "الحرب" التي يخوضها، بعد أن كان في السابق يروّج لرغبته في مغادرة الحياة السياسية مسلماً الراية لنجله رئيس "اللقاء الديمقراطي" النائب ​تيمور جنبلاط​، نظراً إلى أن الوقائع تثبت أن ظروف الذهاب إلى مثل هذه الخطوة لم تنضج بعد، وبالتالي عليه أن يبقى هو "القائد" الفعلي.

ضمن هذا السياق، خاض "الحزب التقدمي الإشتراكي" الإنتخابات النيابية الأخيرة، وكذلك مفاوضات تشكيل الحكومة، ولاحقاً التعاطي مع الأحداث السياسية المتنوعة، وصولاً إلى ما يحصل اليوم من تجاذبات سياسية نتيجة حادثة البساتين.

في الأوساط المقربة من جنبلاط، قناعة بأن "البيك" يخوض معركة متعدّدة الأوجه، عنوانها الأساسي محاصرته بعد فشل إضعافه في صناديق الإقتراع، وتأكيد بأن الظروف تفرض عليه خوض معركة الدفاع عن "عروبة" لبنان، في وجه المحور المقابل، الذي على ما يبدو لا يريد التراجع عن "الحرب" التي يخوضها، فهو لا يرى أن معركته مع رئيس "الحزب الديمقراطي اللبناني" النائب ​طلال أرسلان​ أو أي فريق درزي آخر.

لهذه الأسباب، جاء حديث رئيس "الإشتراكي" عن رفضه الإجتماع بأرسلان، وبأنه يفضل الإجتماع مع ممثل عن أمين عام "​حزب الله​" ​السيد حسن نصرالله​، فـ"البيك" لديه قناعة بأن المواجهة بات لها أوجه إقليمية، لا سيما في دمشق، حيث يعتبر أن هناك من يريد "الإنقضاض" عليه في هذه المرحلة بالذات، وبالتالي ليس هناك ما سيدفعه إلى التراجع.

على هذا الصعيد، يمكن قراءة التحول في خطاب "الإشتراكي" من رفض "الكسر" و"الحصار"، إلى الحديث عن معركة "الحفاظ على الطائف" وغيرها من العناوين، التي يرد منها الحزب تشكيل تحالف أوسع على الساحة المحلية، بدءاً من "حزب القوات اللبنانية" وصولاً إلى تيار "المستقبل"، على أمل أن يكون رئيس ​المجلس النيابي​ ​نبيه بري​ إلى جانبه، بغض النظر عن الحسابات التي لدى الأخير على الساحة الشيعية، نتيجة التحالف مع "حزب الله".

بالتزامن، يأتي السعي إلى جذب الدعم الخارجي، لا سيما مع أخذ المواجهة إلى معركة إقليمية، خصوصاً السعودي، فالحديث عن الطائف يراد منه إرسال رسالة إلى الرياض، بأنه عليها التحرك للدفاع عن نفوذه على الساحة اللبنانية، بدل الإنكفاء وحصر الإهتمام في ساحات أخرى.

الأساس في هذه المواجهة، بالرغم من السعي إلى التأكيد بأنها ليست معركة مذهبية أو طائفية، هي السعي إلى وضع ما يتعرض له جنبلاط في إطار إستهداف الدروز، وبالتالي السعي إلى تأمين التفاف الطائفة حول رئيس "الإشتراكي"، بغض النظر عن الإصطدام المباشر مع قوى درزيّة أخرى.

من وجهة نظر مصادر سياسية في الجانب المقابل، يريد جنبلاط توسيع دائرة المواجهة إلى أبعد مدى ممكن، فالرجل ليس لديه من خيار آخر، بالرغم من أن الوقائع مختلفة، فلا أحد يخوض أي حرب إلغاء ضدّه على عكس ما يحاول الترويج، نظراً إلى أنه يرفض الشراكة الفعليّة، ويريد أن يبقى هو المقرّر على الساحة الدرزيّة بشكل خاص ومنطقة الجبل بشكل عام.

وتعيد هذه المصادر التأكيد على أن مشكلة رئيس "الإشتراكي" ماليّة بالدرجة الأولى، لكن عندما شعر بأنّ أبواب عودته إلى الساحة السوريّة مغلقة قرّر الدخول في مواجهة مفتوحة، وصلت به إلى حدّ نفي لبنانيّة ​مزارع شبعا​ للضغط على "حزب الله"، ثم وضع كل ما حصل في الجبل في إطار الخلاف مع الحزب، بينما الأخير لا علاقة مباشرة له بحادثة البساتين.

في المحصّلة، تشدّد المصادر نفسها على أنّ المطلوب من جنبلاط الهدوء، وإعادة التفكير بكل ما يحصل معه، لأن الحلّ لن يكون بالطريقة التي يعتمدها، لا سيما أن النتائج العمليّة كارثيّة.