كثرت التأويلات والاجتهادات حيال موقف «حزب الله» من زيارة الرئيس ​سعد الحريري​ للولايات المتحدة قبل ايام، وما رافقها من طروحات اعتبرها البعض ملتبسة. لكن، بعيداً من القيل والقال، ما هي حقيقة مقاربة الحزب لتلك الزيارة؟ وما موقفه من مضامينها؟

ليس خافياً انّ هناك مَن روّج انّ الحزب ممتعضٌ من المسار العام لرحلة الحريري الى ​اميركا​ في هذا التوقيت، وصولاً الى الاستنتاج انّ حصيلتها السياسية ستنعكس سلباً على علاقته برئيس الحكومة، بعدما كانت «مستقرة» الى حدّ كبير خلال الفترة الماضية تحت سقف «ربط النزاع»، بل غلب عليها طابع التعاون والإيجابية في مواجهة ملفات عدة، الى درجة انّ الأمين العام للحزب ​السيد حسن نصرالله​ أكد صراحة التمسك ببقاء الحريري في ​رئاسة الحكومة​.

وذهب المتوجّسون من نيات الحزب الى حدّ اتّهامه بالوقوف خلف «صلية» الانتقادات التي وجّهها عدد من حلفائه الى الحريري، معتبرين أنها تندرج في سياق حملة منظمة قادها الحزب، من وراء الستار، للضغط على رئيس الحكومة وترهيبه سياسياً، في نوع من المحاكاة لما سبق أن تعرّض له عام 2011، حين جرى إسقاط حكومته باستقالة وزراء تحالف 8 آذار- «التيار الوطني الحر»، خلال اجتماعه مع الرئيس ​باراك اوباما​، وإن يكن الامر هذه المرة لم يصل الى مستوى تكرار السيناريو نفسه حرفياً.

ولكن، بعيدا من محاكمة النيات، هل تغيّرت حقاً نظرة الحزب الى الحريري بعد رحلة اميركا، وهل عادت «الوساوس» لتنشط على خط الضاحية الجنوبية- ​بيت الوسط​؟

تفيد المعلومات أنّ الحزب لا يزال في صدد تجميع أجزاء الصورة الكاملة التي تعكس حقيقة ما جرى في ​الولايات المتحدة​، وبالتالي فهو تجنّب حتى الآن إبداءَ رأي علني وقاطع في ما انتهت اليه رحلة الحريري، الى حين استكمال كل المعلومات الضرورية عنها.

ولأنّ الحزب يتفادى إصدار أحكام مسبقة ونهائية على زيارة الحريري ل​واشنطن​ قبل أن يكون قد اطّلع على تفاصيلها، فهي حتى الآن ليست مرفوضة ولا مقبولة بالنسبة اليه، والامور عنده مرهونة بالخواتيم أي بطبيعة النتائج التي تمخّضت عن لقاءات رئيس الحكومة في الولايات المتحدة، «ذلك انّ المسألة لا تتصل بعواطف شخصية، بل بالحقائق السياسية».

ومن المتوقع أن يتواصل معاون الامين العام للحزب ​حسين خليل​ مع الحريري مباشرة، للاطّلاع منه على مقاربته لحصيلة اجتماعاته في واشنطن، ولا سيما مع وزير الخارجية الاميركي ​مايك بومبيو​، في وقت يؤكد المطلعون أنّ «حزب الله» لا يزال ثابتاً على خياره بتنظيم الخلاف بينه وبين الحريري واستمرار التعاون المشترك ضمن المساحات الممكنة، تحت مظلة المحافظة على الحكومة كقاعدة للاستقرار.

ويجزم القريبون من الحزب بأنه ليس صحيحاً انّ اعتراض عدد من حلفائه على رحلة الحريري الأميركية صدرت بإيعاز او بتحريض منه، لافتين الى أنّ «حزب الله» ليس من النوع الذي يملي على أصدقائه ما يفعلونه، بل هم أحرار في اتّخاذ المواقف التي يجدونها مناسبة، كما حصل إزاء زيارة الحريري، وسبق لنصرالله أن أكد انّ العلاقة مع الحلفاء والاصدقاء ترتكز على الاحترام المتبادل وتفهّم الخصوصيات.

ويلفت هؤلاء الى انه لا يصحّ التشبيه بين المرحلة الحالية وزيارة الحريري واشنطن عام 2011، مشددين على انّ الظروف مختلفة والنتائج مغايرة، ولا يجوز افتعال مقارنات ليست في مكانها.

وما تجدر الاشارة اليه في هذا السياق هو انّ الحزب يأخذ في الاعتبار، من حيث الشكل، انّ الزيارة الاخيرة كانت في اساسها عائلية، ثم تحوّلت سياسية، الامر الذي يفسر انها لم تُعرض مسبقاً على ​مجلس الوزراء​.

أما لجهة المضمون، فإنّ الانطباعات الأوّلية السائدة لدى قيادة «حزب الله» هي انّ مواقف الحريري الصادرة من واشنطن، لم تتجاوز في معظمها حدود السقف الرسمي التقليدي، خصوصاً في ما يتعلق بمسألة العقوبات.

وإذا كان الحزب يفضل في المبدأ لو انّ رئيس الحكومة تصدى لطروحات بومبيو، إلّا أنه يدرك انّ هناك حسابات وتوازنات تتحكم بسلوك الحريري، وبالتالي فهو لا ينتظر منه ما يفوق طاقته، بل يتعامل معه بواقعية تدفعه الى مراعاة وضع رئيس الحكومة المطالب في الحدّ الأدنى بعدم تجاوز «القواسم المشتركة» وطنياً.

أمر واحد يبدو ملتبساً ومقلقاً بالنسبة الى الحزب ويتعلق بما يجري تداوله عن تعديل في نمط تعامل الحريري مع ملف ​ترسيم الحدود​ البحرية والبرية بين ​لبنان​ وكيان ​الاحتلال الاسرائيلي​، خصوصاً لجهة الكلام على عرض هذا الملف على مجلس الوزراء، بعدما كان موجوداً في رعاية موقف رسمي موحَّد وصلب، منبثق من ادارة سياسية متوافق عليها بين الرؤساء الثلاثة، ما عزّز الموقع التفاوضي للبنان.

وعلى الرغم من انّ الإشارات المستجدّة على هذا الصعيد ليست مريحة كثيراً، غير انّ الحزب سينتظر ما سيحصل عملياً في مجلس الوزراء، حتى يبني على الشيء مقتضاه.