في ​السياسة​، وفي الديبلوماسية وفي العلاقات بين الدول، كان هناك مصطلح، ولا يزال، عن "دول عظمى" وعن "الجبَّارين"... كان هناك ​الولايات المتحدة الأميركية​ و​الإتحاد السوفياتي​ (روسيا لاحقًا)، ومرَّت فترة كانت فيها الولايات المتحدة الأميركية هي الدولة العظمى الوحيدة قبل ان تعود روسيا لتشاركها في اقتسام زعامة العالم.

***

في أي بقعة في العالم يندلع فيها توتر أو عدم إستقرار، يُقال: فتِّش عن ​واشنطن​ أو ​موسكو​، فهاتان العاصمتان لم تعودا تخوضان الحروب مباشرة بل بالواسطة "ونيَّال اللي بترضى عنَّو واشنطن أو موسكو".

***

اليوم تبدَّلت مقاييسُ القوة في العالم، لم تعد القوةُ تقتصر على دول عظمى بل أصبحت تنطبقُ أيضًا على شركات ومؤسساتٍ ووكالاتٍ يمكن وصفها بأنها "عظمى" وبأن معظم الدول في العالم "بدها رضى هذه الوكالات".

نصل إلى بيت القصيد لنقول: من الوكالات العظمى التي ترتجف الدول لدى السماع باسمها:

"ستاندارد اند بورز"، "فيتش"، "موديز".

الخوف و"الرجفة" من هذه الوكالات يضاهي الخوف من الدول العظمى، فهذه الوكالات تحوِّل دولًا، بمجرَّد تقرير، إلى دول خاضعة "للإحتلال المالي"، وهذا النوع من الاحتلال هو أشد قساوة من الإحتلال العسكري لأنه لا يترك زاوية أو "جيبًا" إلا ويحتله، ولا تنفع معه المساحيق التجميلية والأسباب التخفيفية.

فعلى سبيل المثال لا الحصر: "وكالة ستاندارد أند بورز تصدر تصنيفها لتقيس مدى قدرة حكومة أو شركة أو مؤسسة مقترضة، على الوفاء بالتزاماتها المالية لدى

الجهة المقرِضة، أي أن هذا التصنيف هو شهادة بشأن الوضع المالي للجهة المعنية، وهي احدى وكالات التصنيف الائتماني التي صنفها "مجلس اوراق المال الاميركية" كمنظمة معايير إحصائية وطنية معترف بها. وهي تصدر تصنيفات ائتمانية قصيرة وطويلة الأجل".

بهذا التعريف فإن معظمَ الدول، وبينهم لبنان، "بدن رضا ستاندارد اند بورز".

لهذا السبب جرى السعيُ لمنحِ لبنان فترة سماح اضافية تمتد لمدة 6 اشهر، وهذا يعني تأجيل التداعياتِ الخطيرة التي كان سيفرضُها خفض التصنيف الى مطلع العام 2020.

***

إذًا أمام لبنان أربعة أشهر ليُظهر "حسن سلوك" مالي، ويتمثل هذا الأمر في الخطوات الواجب اتخاذها بسرعة قياسية قبل انقضاء هذه السنة.

ومن بين هذه الإجراءات:

إنجازُ موازنة العام 2020 وإصدارُها بقانون، لتصبح نافذة، وذلك في مهلة قصوى هي 31 كانون الاول 2019. ولكن لا يقتصر الأمر على هذا الإنجاز، بل إن المطلوب ان تكون موازنة تقشفية تراعي التخفيض في البنود حيث يجب ان تخفض. وإلا ما نفع إصدار ​الموازنة​ في موعدها ولكن مع ابقائها على علاتها من حيث تضخيم الارقام من دون جدوى؟

***

"الرعبُ" لا يقتصرُ على الخوف من "ستاندارد اند بورز" بل من وكالات "شقيقة" لا تقل أهميةً عن الأولى، وهي: وكالة "فيتش" ووكالة "موديز"، وعليه فإذا استطاع لبنان ان ينجوَ، موقتًا، فهل سينجو من الوكالات الثلاث مجتمعة؟