خذوها على لسان رئيس ​الحزب التقدمي الإشتراكي​ ​وليد جنبلاط​ بعد خروجه من لقاء رئيس الجمهورية في ​بيت الدين​.

سئل جنبلاط: الى أين نتجه في ​لبنان​ بعد التصنيف الاقتصادي وفق نظرة الرئيس؟

أجاب: "إلتقط الرئيس عون الموضوع بشكل جدّي جدًا، ويرى خطرًا في مثل هذا التصنيف. لذلك، علينا كمسؤولين لبنانيين اتخاذ إجراءاتٍ قد يكون بعضُها غير شعبي، والا قد نواجه تصنيفًا أسوأ".

***

لنحفظ كل كلمة من هذا الكلام المقتضب، فخير الكلام ما قلَّ ودل، وهو يأتي ليضع حدًّا للمئات الذين يسمُّون أنفسهم "خبراء أقتصاديين ومحللين" من دون مراعاة الخبراء الحقيقيين الذين يفهمون في هذا المجال.

صار كل شخص أجرى دورة تدريبية في الإقتصاد، أو دخل على محرِّك البحث

"غوغل" وقرأ ​تقرير​ًا أو دراسة، يُطل على الرأي العام ويسمي نفسه خبيرًا، وهذا ما حصل أخيرًا بعد صدور تقريري "ستاندرد أند بورز" و"فيتش".

التقريران بسيطان للغاية وواضحان للغاية، لا لبس فيهما، وهما مبنيَّان على معطيات و"داتا" لبنانية، وهذا النوع من الوكالات لا يعتمد على مصدر واحد بل على كل المصادر وبات يعرف الموثوق منها من غير الموثوق.

لم تعد تنطلي على خبراء "ستاندرد اند بورز" أو "فيتش" أو "موديز" مَن يجيب على أسئلتها بمعطيات و"داتا" ملغومة وغير دقيقة، وربما اكتشف ​اللبنانيون​، ولو متأخرين، أن "السحر إنقلب على الساحر" فمَن أعَطوا أجوبةً ملغومة، ظهرت أجوبتُهم في تقرير من التقريرين، أما مَن أعَطوا أجوبة صحيحة فقد ظهرت أجوبتهم في احد التقارير.

وقد يكون رئيس الجمهورية غلَّب معطيات معينة على معطيات أخرى، ولهذا بدا حذِرًا أكثر مما هو متفائل، ومن هنا يمكن فهم ما أدلى به وليد جنبلاط نقلًا عن الرئيس.

***

ماذا جاء في التقريرين؟

وكالة Standard and Poor's أكدت على تصنيفها الائتماني للبنان عندB-، مبقيةً على النظرة المستقبلية السلبية.

وتوقعت Standard and Poor's أن يبقى النمو في لبنان ضعيفاً، لكنه سيتحسن تدريجياً بحلول 2022 مدعومًا ببرنامج استثماري حكومي وانحسار التوترات.

وبالنظر إلى ضعف تدفقات العملة الأجنبية، توقعت الوكالة أن تحقق ​حكومة​ لبنان بعض التقدم بشأن الإصلاحات في الأجل القصير لتحسين ثقة المستثمرين.

وتوقعت Standard and Poor's أيضًا أن تواصلَ احتياطيات النقد الأجنبي لدى ​مصرف لبنان​ المركزي التراجع، لكنها ستبقى كافيةً لتمويل حاجات الحكومة للاقتراض والعجز الخارجي للبلاد على مدارِ العام القادم.

***

في المقابل، ووفق معطيات حصلت عليها من غير المصادر التي زودت "ستاندرد أند بورز" خفضت وكالة Fitch للتصنيف الائتماني تصنيفها للبنان من B- إلى CCC، حيث قالت الوكالة إن خفض التصنيف الائتماني للبنان يعكس تصاعد الضغوط على نموذج التمويل للبلاد، ومخاطر متزايدة على قدرة الحكومة على خدمة ديونها.

وأضافت Fitch أن الحكومة اللبنانية تعتمد إلى حد كبير على تمويل من ​المصرف المركزي​ لسداد الدين من الأسواق المحلية والسندات الدولية، حيث أن لبنان يحتاج لتدفقات كبيرة لرؤوس أموال لتمويل عجز كبير في كل من الميزانية والحساب الجاري.

***

وكالة "ستاندرد أند بورز" للتصنيف الائتماني تقدِّم تقاريرها إلى معظم دول ​العالم​، والأسواق المالية تتفاعل مع هذه التقارير لتقوم بمبادراتها المالية وفق معطيات هذه التقارير.

فعلى سبيل المثال لا الحصر، التصنيف السيادي لحكومة ​أبوظبي​ عند مستوىAA مع نظرة مستقبلية مستقرة، وأن أبوظبي تتمتع بمتانة مالية قوية، وتمتلك أصولاً ضخمة تحصّنها ضد أي صدماتٍ خارجية محتملة.

وهناك إمكانية لرفع التصنيف السيادي لأبوظبي خلال الفترة المقبلة مع تحسن شفافية البيانات ومواصلةِ برامج الإصلاح المؤسسي، فضلاً عن اتخاذ المزيد من الإجراءات الهادفة إلى تحسين فاعلية السياسة المالية في الإمارة، مثل تطوير أسواق المال المحلية، الأمر الذي قد يكون له تأثير إيجابي على تصنيف الإمارة في المستقبل.

***

أين لبنان من هكذا أنواع من التصنيف؟

الوكالات لا تكتفي بتشخيص المشكلة بل تنصح بالحلول، بالنسبة إلى لبنان، أين الشفافية والتقشف ووقف الهدر؟

للأسف، الشفافية غائبة في معظم القطاعات، فأين هي الشفافية في قطاع الكهرباء حيث ما زالت الدولة تبيع التيار الكهربائي بأقل من كلفته؟

الدولة، وكأنها "مزراب" لا تعرف كيف توزِّع أموالها، وأول ما يخطر على البال في هذا المجال ما بات يُعرف بقضية "كسارات آل فتوش".

في لبنان ما يتجاوز الـ 1500 كسارة ومقلع، عشرات فقط منها مرخَّصة، ومنها كسارة آل فتوش، فيما هناك ما يتجاوز الألف كسارة غير مرخَّصة، فلماذا يجري التصويب على ما هو مرخَّص وإغفال ما هو غير مرخّص؟

استطرادًا، هناك شيء يدعو إلى التأمل: هل يُعقَل أن تتكافل ثلاثة عهود على آل فتوش وتبقي على كسارات أخرى، وتتسبب بخسائر في مالية الدولة بسبب الأحكام القضائية التي جاءت كلها لمصلحة آل فتوش؟

غريبة هذه المصادفة!

***

في أي حال، القضاء الدولي ليس مزحة، ومَن يحاولون طرق بابه، ليتذكروا أنه مُكلِف للغاية، وليعيدوا القراءة في الأحكام التي صدرت سابقًا والتي رتبت على الدولة أن تدفع ملايين الدولارات على سبيل المثال، في موضوع الخليوي.

أما شروط التسوية مع آل فتوش فلها قواعدها وأسسها وشفافيتها، ويخشى أن ينفجر الملف في وجه مَن يحاولون "اللفلفةَ المكلفة" بدل "التسويةِ العادلة".