مباشرة بعد إنتهاء خطاب أمين عام "​حزب الله​" ​السيد حسن نصرالله​ الأخير، طُرحت الكثير من السيناريوهات والتحليلات لما قد يقوم به الحزب رداً على الإعتداءين ال​إسرائيل​يين، لكن في المقابل هناك قطبة مخفيّة لم تتمّ الإجابة عنها حتى الآن، تتعلق بأهداف إسرائيل من التصعيد الذي لا ينحصر في ساحة معينة، من العراق إلى ​سوريا​ وصولاً إلى لبنان، بغضّ النظر عن وضعه في سياق سعي رئيس الوزراء الإسرائيلي ​بنيامين نتانياهو​ إلى تحسين أوراق قوّته، قبل موعد الإنتخابات التشريعيّة المقرّرة الشهر المقبل.

من حيث المبدأ، لا يمكن القول أنّ ​تل أبيب​ لم تكن تعلم بحجم الردود المتوقّعة على ما قامت به، لا سيّما بالنسبة إلى الإعتداءين اللذين إستهدفا "حزب الله"، في ​الضاحية الجنوبية​ وفي عقربا السوريّة، خصوصاً أن المعادلة التي جدّد أمين عام الحزب التذكير بها معلنة منذ أشهر طويلة، والجانب الإسرائيلي يدرك جدّيتها، إلا إذا كانت وقعت في خطأ غير مقصود نتيجة فشل أو تقصير إستخباراتي ما، نظراً إلى أنّها عمدت إلى إلتزام الصمت حول الحادثة الأولى، بينما ذهبت إلى الحديث عن إستهداف قوّات إيرانيّة في الحادثة الثانية.

على هذا الصعيد، هناك مجموعة نقاط أساسية ينبغي التوقف عندها لفهم حقيقة ما يجري:

أولاً: التصعيد الإسرائيلي المُستجدّ، جاء في وقت عمد فيه حلفاء تل أبيب على مستوى المنطقة إلى التراجع بعض الشيء في إطار مواجهتهم مع الجمهوريّة الإسلاميّة في إيران، من السعوديّة إلى الإمارات إلى الولايات المتّحدة، في حين أنّ اسرائيل كانت أكثر الراغبين في هذه المواجهة، وهي كانت نقطة خلافها الأساسيّة مع ​الإدارة الأميركية​ السابقة برئاسة ​باراك أوباما​.

ثانياً: بالتزامن مع النقطة الأولى، لا يمكن تجاهل السعي إلى فتح أبواب الحوار، لا سيما من الجانب الأوروبي، مع ​طهران​، الذي تمثل في حضور وزير الخارجية الإيراني ​محمد جواد ظريف​ إلى مكان إجتماع مجموعة الدول السبع في فرنسا، الأمر الذي قال عنه الرئيس الأميركي ​دونالد ترامب​ أنه حصل بالإتفاق معه، وتل أبيب قد تكون أبرز المتضرّرين من هذا التوجه.

بناء على ذلك، قد يكون الجانب الإسرائيلي يريد توجيه رسالة إلى حلفائه، بأنه جاهز للتدّخل في مواجهة حلفاء إيران الإقليميين، في حال كانوا عاجزين عن القيام بهذه الخطوة بأنفسهم، وبالتالي ليس عليهم التراجع أمامها في هذا الوقت، أو أنه يريد خلق قواعد إشتباك جديدة تحفظ له مصالحه، قبل الوصول إلى مرحلة التفاوض بين مختلف الأفرقاء الإقليميين والدوليين.

ثالثاً: لا يمكن فصل خطّ مسرح العمليّات الإسرائيليّة، من العراق إلى سوريا إلى لبنان، عن الهدف الأساسي الذي كانت تسعى إليه تل أبيب طوال الفترة السابقة، لناحية قطع طرق الإمداد التي تصل طهران ببيروت، لا سيما بعد إستهداف مواقع ​الجبهة الشعبية​ لتحرير فلسطين–القيادة العامّة، خصوصاً مع إعادة التركيز على الحدود اللبنانيّة السوريّة من أكثر من جهة محليّة وخارجيّة، وكأنّ المطلوب فرض معادلة جديدة على هذا الخط، بغطاء أميركي واضح.

رابعاً: الولايات المتحدة، على الأرجح، ليست بعيدة عن كل ما يحصل على هذا الصعيد، خصوصاً على الساحة العراقيّة، لكن اللافت هو تعامل تل أبيب مع هذا المسرح على أساس أنه جبهة واحدة، في المقابل يبدو أن محور المقاومة لا يتعامل على هذا الأساس، بدليل أن بالمعادلة التي طرحها السيد نصرالله، على المستوى اللبناني، للتعامل مع الطائرات المُسيّرة، جاءت منفصلة، بحسب ما أعلن، عمّا يمكن أن يقوم به العراقيون على هذا الصعيد في تعاملهم معها.

خامساً: كل ما يحصل لا يمكن فصله عن مجريات صفقة القرن، التي لا تزال الخطة الأميركيّة الأساسيّة على مستوى منطقة ​الشرق الأوسط​، والتي سيكون لها تداعيات كبيرة على مستوى البلدان المشمولة بالإعتداءات الإسرائيليّة، وبالتالي من الخطأ فصل ما يجري اليوم عن المسار القائم على مستوى هذه المنطقة منذ سنوات، على الأقل من المنظور الإسرائيلي.

في المحصلة، تل أبيب اليوم، بغضّ النظر عن الهدف الأساسي لكل ما تقوم به، قد تكون في موقع المُرتبك، لا سيما بعد الإصطدام المباشر مع "حزب الله"، والذي تدرك أن ردّه لن يتأخر كثيراً على الإعتداءين الأخيرين، لكن بعد هذا الرد هل ستلتزم بقواعد الإشتباك الجديدة، أم أنّها تريد الذهاب إلى مواجهة مفتوحة غير معلومة الأهداف والمدى حتى الآن؟!.