أراد رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو من وراء عدوانه على ​الضاحية الجنوبية​ تأكيد القدرة الإسرائيلية على توجيه ضربة موجعة للمقاومة، التي ألحقت بجيشه هزيمة قاسية عام 2006 وحطمت أسطورته وأذلّته على نحو لم يسبق له مثيل في تاريخ الصراع العربي الصهيوني.. مما أحدث تحوّلاً كبيراً في الصراع وفرض قواعد جديدة للاشتباك بات فيها هذا الجيش في حالة ارتداع وفقدان القدرة على شنّ اعتداءاته ضدّ لبنان متى شاء القادة الصهاينة.. ولم يكن بحساب نتنياهو الفشل في تحقيق هدفه من خرق قواعد الاشتباك وإرساء قواعد جديدة تمكّنه من القول والتباهي أمام الصهاينة بأنه نجح في استعادة قوة الردع الصهيونية في مواجهة المقاومة وتجاوز عقدة ​حرب 2006​ التي كبّلت جيشه وجعلته يعاني من مأزق عدم القدرة على شنّ الحرب خوفاً من هزيمة جديدة قد تقود إلى تداعيات كارثية على الكيان الصهيوني وتهدّد وجوده برمته.. لقد ارتكب نتنياهو الحماقة الكبرى عندما نفذ هذا العدوان ولم يضع بالحسبان الفشل ونتائج هذا الفشل.. انْ كان على الداخل الصهيوني او على الصعيد اللبناني الداخلي.. فمن يرصد ويتابع التطورات منذ حصول العدوان الفاشل على الضاحية وإعلان أمين عام ​حزب الله​ ​السيد حسن نصرالله​ أنّ المقاومة ستردّ على العدوان من لبنان ولن تسمح بإعادة عقارب الساعة إلى مرحلة ما قبل انتصارات المقاومة.. يتضح له النتائج التالية:

النتيجة الأولى: تبلور شبه إجماع وطني لبناني رسمي وشعبي قلّ نظيره يدعم قرار المقاومة في الردّ على العدوان باعتباره حقاً مشروعاً في إطار الدفاع عن سيادة لبنان في مواجهة الاعتداء الصهيوني الغاشم وانتهاكه الصارخ للقرار الدولي 1701… وقد عبّر عن هذا الموقف الوطني من خلال موقف ​رئيس الجمهورية​ العماد ​ميشال عون​ في التأكيد على إدانة العدوان وحق لبنان بالردّ على العدوان… وفي إدانة رئيس الحكومة سعد الحريري للعدوان واعتباره أول خرق للقرار 1701… وتتويج هذا الموقف الرسمي في اجتماع ​مجلس الدفاع الأعلى​ الذي أكد على حق اللبنانيين في الدفاع عن أنفسهم ضدّ العدوان الصهيوني مما اعتبر غطاء رسمياً لقرار قائد المقاومة السيد حسن نصرالله بالردّ الحتمي المنتظر على العدوان.. كما عبّر عن هذا الموقف الوطني في مواقف الأحزاب والقوى السياسية والفاعليات السياسية والنيابية والإعلامية والشعبية إلخ… وإذا ما بقيت بعض أصوات النشاز التي تمثلت في موقف ​القوات اللبنانية​ فإنها ظهرت تغرّد وحيدة خارج الإجماع الوطني الرسمي والشعبي والحزبي فاقدة لأيّ قدرة على تبرير موقفها الذي استهدف تبرير العدوان والوقوف ضدّ توفير الغطاء والدعم الرسمي للردّ على العدوان ومنعه من تغيير قواعد الاشتباك التي كرّسها وفرضها انتصار المقاومة في ​حرب تموز​…

النتيجة الثانية: أنّ الموقف الوطني الذي أجمع على الالتفاف حول المقاومة عزز المعادلة الذهبية… الجيش والشعب والمقاومة… التي صنعت التحرير عام 2000 وانتصار تموز عام 2006… وبالتالي تكريس هذه المعادلة لتكون أساس أيّ استراتيجية دفاعية يجري نقاشها لأنها أثبتت أنها ضمانة لبنان في ردع العدوانية والأطماع الصهيونية وبالتالي حماية لبنان وثرواته من الاعتداءات الصهيونية ومحاولات ضرب أمنه واستقراره والأسلحة وإثارة الفتنة والإطاحة بسلمه الأهلي… لقد لمس اللبنانيون على مدى 13 عاماً أنّ الفضل الأوّل والأساسي لما ينعمون به من أمان واستقرار إنما يعود إلى معادلات الردع التي أرساها انتصار المقاومة في حرب تموز وفي الانتصار على قوى الإرهاب التكفيري في الجرود اللبنانية السورية.. وقد أدّى ذلك إلى تشكيل قناعة عامة لدى أغلب اللبنانيين بضرورة التمسك بالمقاومة وسلاحها.. لا سيما في ظلّ الفيتو والحصار الأميركي الغربي المفروض الذي يمنع تسليح الجيش اللبناني بأسلحة دفاع جوي أو غيرها من الأسلحة التي تمكّنه من مواجهة الاعتداءات الصهيونية في الجو والبحر والبر..

النتيجة الثالثة: حالة الرعب والهلع التي باتت تخيّم على كيان العدو الصهيوني بعد فشل العدوان وخطاب السيد حسن نصرالله بالردّ وبقوة على هذا العدوان ودعوة جيش الاحتلال إلى الوقوف على رجل ونص بانتظار ردّ المقاومة الآتي حتماً.. وفي هذا السياق اعتبرت ​يديعوت أحرونوت​ انّ على إسرائيل الاستعداد لكلّ سيناريو.. ومن المحظور أن ننسى دروس العام 2006 عندما نجح حزب الله بمفاجأة ​الجيش الإسرائيلي​ مرات عدة ، وتابعت الصحيح أنّ القدرات الاستخباراتية الإسرائيلية تطوّرت لكن أمراً واحداً لم يتغيّر وهو أنّ نصر الله بقي خصماً ذكياً ، ولفتت الى التحدي الجديد أمام الجيش الإسرائيلي هو المحافظة على مستوى التأهّب والجهوزية على طول الحدود لوقت طويل من دون توفير أهداف لحزب الله مثلما حصل في السابق .. وهو ما ظهر في حالة الاستنفار وإخلاء مواقع جيش الاحتلال على طول الخط الأمامي للجبهة مع ​جنوب لبنان​.. فيما تسود حالة من الترقب لدى المستوطنين الصهاينة لطبيعة الردّ الذي ستقوم به المقاومة في داخل فلسطين المحتلة.. على انّ ما قاله وزير الأمن الصهيوني السابق، أفيغدور ليبرمان، كان لافتاً لناحية الشماتة من نتنياهو والنتيجة التي أسفر عنها عدوانه الفاشل على لبنان حيث ردّ ساخراً على نتنياهو مشبِّهاً كلامه ضدّ حزب الله بعواء الكلب، إذ قال: «الكلب الذي ينبح لا يعضّ».

هذه النتائج الأولية حصلت الآن قبل أن يتمّ الردّ من المقاومة أيّ أنّ قرار المقاومة بالردّ أدّى إلى فرض حالة ارتداع في كيان العدو وجعله في انتظار الردّ وطبيعته وحجمه بعد أن فشل في إرهاب لبنان لمنع حصول ردّ من المقاومة ولم تنجح الضغوط الأميركية في جعل لبنان الرسمي يضغط على المقاومة لعدم الردّ وضبط النفس باللغة الأميركية بهدف مساعدة نتنياهو على تجنّب دفع ثمن عدوانه على المستويين.. مستوى عسكري يكرّس معادلة الردع التي فرضتها المقاومة.. ومستوى شخصي بتحميله إسرائيلياً مسؤولية جرّ الكيان إلى عملية فاشلة زادت من حالة الارتداع التي يعاني منها الجيش الإسرائيلي وعزّزت نفوذ وحضور المقاومة لبنانياً وعربياً بأن أظهرها قوة ندية قادرة على مقارعة القوة الصهيونية ولجمها.. وبالتالي تكريس وتعزيز نتائج هزيمة الجيش الإسرائيلي في حرب 2006 أمام المقاومة… وهو طبعاً ما سينعكس سلباً على شعبية نتنياهو عشية الانتخابات الاسرائيلية التي يجهد فيها للحصول على أغلبية تمكنه من البقاء في الحكم وتشكيل الحكومة وبالتالي تجنّب المحاكمة بتهم الفساد والذهاب إلى السجن في حال عدم نجاحه في تأمين الفوز الذي يسعى إليه…