لم تعد عمليّات التجميل باهظة الثمن ومَحصورة بمن تعرّض لتشويه خُلقي، أو لحادث ما، أو حتى لداع طُبّي-كما كانت الحال عليها في السابق، بل صارت هذه العمليّات مُتاحة بأسعار مقبولة نسبيًا، وهي تحوّلت إلى "ترف" يلجأ إليه الكثيرون، بحثًا عن ​الشباب​ الذي محَاه العُمر، أو حتى عن جاذبيّة مَوهومة! فأين ​لبنان​ من هذه الدُرجَة السائدة والتي تجتاح ​العالم​ أجمع؟.

بداية لا بُد من الإشارة إلى أنّ عمليّات التجميل لم تعد محصورة ب​الجنس​ اللطيف، حيث صار الكثير من الرجال يلجأون إليها بغير خجل. والمسألة لم تعد تقتصر على عملية تجميل الأنف أو زراعة الشعر أو شفط الدُهون من تحت العيون، على سبيل المثال لا الحصر، بل باتت تتعدّاها إلى تبييض الأسنان، وشدّ الوجه، وإزالة شعر الجسم باللايزر، وعلاج ترهّل الثدي، إلخ. وبالنسبة إلى النساء، فالعمليّات المُتاحة لا تُعدّ ولا تُحصى، وإضافة إلى كل ما سبق ذكره من عمليّات يلجأ إليها الرجال والنساء على السواء، يقوم الجنس اللطيف بعمليّات لتكبير الشفاه والأثداء والأرداف، وبعمليّات أخرى مُخصّصة لنفخ الشفاه والخُدود ولمُعالجة التجاعيد مثلاً. وبلغت المُبالغة في عمليّات التجميل حدّ توسيع الجزء الخلفي من الحنك، ورسم خط رفيع للذقن، وشدّ العيُون، إلخ.

ولأنّ كلفة عمليّات التجميل إنخفضت بشكل مَلحوظ في السنوات القليلة الماضية، نتيجة تطوّر التقنيّات المُستخدمة، بالتزامن مع إحتدام المُنافسة، صار عدد الأشخاص الذين يتوجّهون إلى عيادات التجميل كبيرًا جدًا، علمًا أنّ الكثير من عمليّات التجميل تستوجب مُتابعة دائمة، وزيارات دَوريّة إلى هذه العيادات كل ستة أشهر أو سنة. وعلى سبيل المثال لا الحصر، تتراوح كلفة عمليّة تجميل الأنف بين 2000 و3000 ​دولار​ أميركي بمعدّل عام، وكذلك الأمر بالنسبة إلى كلفة عمليّة زراعة الشعر. وفي ما خصّ عمليّة شفط الدُهون، فهي تختلف تبعًا للأجزاء المُستهدفة من الجسم، لكنّها تتراوح بمعدّل عام بين 2500 و5000 دولار أميركي.

ومع تطوّر هذه الصناعة–إذا جاز التعبير، إرتفع عدد ​مراكز التجميل​ بشكل مُضطرد، وزاد عدد الأطباء الذين يتخصّصون بالتجميل بشكل ملحوظ. وبات في لبنان مُستشفيات صغيرة مُتخصّصة حصريًا بالتجميل، مع توفير أماكن إقامة وإستجمام للأشخاص الذين يخضعون لعمليّات تجميل، تُقارب مُواصفات ​الفنادق​ الفاخرة. وصار يُمكن أيضًا الحديث عن "سياحة تجميليّة" في لبنان، نتيجة توجّه العديد من المواطنين العرب إلى عيادات بعض أطباء التجميل الذين ذاع صيتهم في الدُول العربيّة عمومًا والخليجيّة خُصوصًا.

لكن وبموازاة الجوانب الإيجابية لهذه "المُوضة" الآخذة بالإنتشار أكثر فأكثر في المرحلة الحالية، تُوجد جوانب سلبيّة عدّة، حيث أنّ الكثير من مراكز التجميل غير المُرخّصة نمت إلى جانب تلك المُحترفة، وأصبح العديد من الأشخاص يُديرون مراكز تجميل مزعومة تفتقر إلى أبسط المُواصفات الطبيّة، علمًا أنّ هؤلاء الأشخاص يفتقرون أصلاً إلى أي شهادة طبّية تُخوّلهم تحمّل مسؤولية تفاعل زبائنهم مع عمليّات التجميل، حتى لوّ كانت بسيطة على غرار إزالة الشعر مثلاً. وهذا الواقع، يتطلّب مُتابعة أكبر من قبل السُلطات الطبّية المَعنيّة، وتشدّدًا أكبر من جانب مُراقبي الدولة اللبنانيّة.

من جهة أخرى، إنّ كل الوجوه العامة، من فنّانات ومُذيعات ومشاهير وحتى من نساء عاديّات، بُتن يتنافسن على زيادة درجة تكبير الشفاه، وشدّ الوجه، وسحب العيون، وحتى على تعريض الفك وزيادة طول الذقن، إلى ما هناك من صرعات، إلى درجة أنّ منظر الكثير من هؤلاء صار مُثيرًا للضحك والشفقة في آن واحد، حيث لا يُمكن مُشاهدة هذا النوع من "التجميل" المُبالغ فيه، والذي تحوّل عمليًا إلى "تشويه"، من دون الضحك عاليًا على الأشخاص المَعنيّين به. والمُفارقة أنّ الكثير من النساء اللواتي يخضعن لعمليّات تجميل مبالغ فيها، يتمايلن بغنج ويتصرّفن بتكبّر وغرور، وكأنّهم آيات مُتحرّكة من الجمال، فيما هنّ تحوّلن في الواقع إلى تماثيل شمع مُتحرّكة!.

وفي الخُلاصة، لا ضرر من الخُضوع لبعض عمليّات التجميل، بشكل محدود ومناسب، ولدى أطباء مُحترفين، خاصة في حال كان الشخص المَعني، يرغب بالحفاظ على شباب يتآكل مع مُرور الزمن، أو يرغب بزيادة جاذبيّته لإستعادة ثقة مفقودة بالنفس. أمّا وقد بلغت عمليّات التجميل مرحلة الهوس المرضي لدى الكثير من اللبنانيّين، وحتى اللبنانيّات، فإنّه من الواجب التذكير أنّ النفخ الإصطناعي المُبالغ فيه، لا يؤمّن سوى جاذبيّة مَوهومة، وفي كثير من الأحيان لا يجلب سوى الضحك والسُخرية، لحظة مُرور صاحب أو صاحبة عمليّة التجميل في مكان عام!.