رأى وزير العدل ​ألبرت سرحان​ خلال حفل افتتاح لجنة إحياء ذكرى القاضي ​جورج غانم​ "​حديقة​ القاضي جورج غانم الثقافية"، في مسقط رأسه ​بسكنتا​، أن "لا غرابة في ان تحتضن بسكنتا حديقة ثقافية تخليدا لذكرى احد أبنائها الميامين. فبسكنتا ذاتها هي حاضرة أدبية دوت أصوات مبدعيها في لبنان والمحيط العربي والعالم. وهي حاضرة علمية ضمت بين ظهرانيها اعدادا وفيرة من حملة الشهادات العليا في مختلف الميادين، منذ مستهل القرن العشرين وحتى هذه الغضون، حيث باتت نسبة هؤلاء، قياسا الى عدد السكان، من اعلى النسب في لبنان".

ولفت سرحان الى ان "لبسكنتا أصول معرقة في ميدان القانون، شرحا لمصنفاته منذ العهد العثماني، وانتماء الى مهنة المحاماة منذ تأسيس نقابة المحامين في بيروت، وإسهاما بينا في التأليف والتفسير. هذا الى كوكبة من ​القضاة​ الذين بلغوا أعلى المراتب، ورفدوا ​القضاء​ بما جاد الله عليهم من مواهب، وبما تفتق عنه دأبهم واجتهادهم وشغفهم بهذه المهمة الشريفة، حارسة العدل، والمسهمة اسهاما جليلا في إعادة التوازن الى العلاقات الفردية والاجتماعية كلما عراها اعتلال او اختلال. وفي صدارة تلك الكوكبة الصديق العزيز الدكتور غالب غانم، رئيس ​مجلس شورى الدولة​ سابقا والرئيس الأول ل​محكمة التمييز​ شرفا. وكان لي الشرف في انني عملت تحت رئاسته سحابة تسع سنوات على التمام".

واكد ان "القاضي الرئيس جورج غانم، رحمات الله عليه، هو من هذه الكوكبة. انه من جيل القضاة الذين شرفوا ولايتهم عبر مسارها الطويل الذي تخطى العقود الثلاثة. اندفاع في العمل، التزام بعليا المناقب، عطاء كثير وكلام قليل، نظافة كف، شجاعة في مواجهة الصعب والمعقد والملتبس، ومواقف لا تأخذ بالاعتبار الا ما يقتضي أخذه: معطيات القضية، ومقتضيات القانون ، وموحيات الضمير والوجدان اللذين يمارسان على القاضي رقابة ذاتية لا تعادلها أي رقابة أخرى. عرفته بحكم الزمالة، والجوار، لأن ​قصر العدل​ في بيروت ضم مجلس شورى الدولة والمحاكم ​العدلية​ ومنها محكمة التمييز التي كانت آخر محطة من محطات عمله القضائي. وعرفته، على الأخص، بحكم الصيت الحسن والعرف الطيب اللذين واكبا مهماته في القضاء الجزائي، قاضيا للتحقيق في ​المحكمة العسكرية​، ومحاميا عاما استئنافيا في بيروت ، لأمدين طويلين. وكنت، كلما التقيته في صالة الخطى الضائعة في قصر العدل، اصادف بشاشة ولهفة في اللقاء، وشمما وهيبة في القضاء. وفوق هذه جميعا اصادف مسؤولا لا يغره اغراء ولا يزدهيه اغواء".

وختم سرحان بالتأكيد ان "تراثنا القضائي يحفل بما تصبو دول عديدة الى محاكاته. يحفل بالأحكام والمواقف الشجاعة والقامات الفارعة والأخلاقيات المشرفة. واذا ما شابت حاضرنا بعض الشوائب، المحدودة في كل حال، فما ذلك بالدال على فقدان الثقة بالقضاء، وعلى توقف مسيرة الإصلاح. من منا لا يصبو الى القضاء الأكفأ والأفعل والأعلم والأمثل؟ هذه غاية جلى وان طالت الطريق إلى بلوغها في بعض الأحيان. هذه غاية وعلينا تحقيقها بمعاضدة السلطات جميعها، على أن يضمن للقضاء استقلاله في كل الأحوال، وعلى ان توفر له كل الظروف التي تعزز هذا الاستقلال: في التشريع وفي التنفيذ، في الوجه المعنوي والوجه المادي، في رحاب الدولة وفي رحاب المجتمع".