هل يدرك الدكتور ​عمر الرزاز​ أنّه وقّع على مصير حكومته، عملياً، في إضراب المعلمين، وأنه وقع في “الفخ” نفسه، أم أنّه سيكتشف ذلك لاحقاً؟ فهو من سلّم نفسه سابقاً ولاحقاً لرهانات فاشلة، وحكم على نفسه بالانتحار السياسي، وبصورة قاتمة في الذاكرة الشعبية.

عاد رئيس حكومة النهضة ليتورط في استخدام اللغة نفسها والمصطلحات ذاتها لتبرير ذلك الإضراب، والقفز فوراً لوضع العصا في الدولاب.

التصريحات كانت تعكس، في الحقيقة، “التخويف” المبالغ فيه من قبل المؤسسة الرسمية من الإضراب المفتوح، ما ولّد “أجواء مستفزة” بصورة غير مسبوقة في الأوساط الرسمية، انعكست من خلال تعبئة محمومة ضد قطاع ليس سهلاً، ولا هو ضعيف، ولا هو اي قطاع، انه قطاع المعلمين.

المفارقة أن الأجواء في إضراب المعلمين كانت مختلفة تماماً، بغض الطرف عن بعض الشعارات غير المألوفة، فقد هتف الجميع للأردن والوطن والملك، وكانت الأغاني الشعبية ​الأردن​ية تتردد في أصدائه، وشباب من مختلف المحافظات والمناطق يتلاحمون معاً في الدعوة إلى مطالب منطقية، وكان حرص المضربين على “الطابع السلمي” كبيراً، ولم يتم التفكير بالتخريب أو مواجهة السلطة.

لم يكن سقف مطالبات المعلمين مغايراً للسقف الذي كانوا دائما يطالبون به، فالكل متفق على ضرورة العيش الكريم.

الفجوة كانت سطحية وشكلية، ويمكن تجاوزها، وكذلك إرضاء المعلم المتحمّس للإصلاح والمندفع لرؤية حياة جديدة، ولم تكن هنالك مخاطر ولا أخطار حقيقية، إذ كان يمكن احتواء الموقف طالما أنّ الجميع متفق على القواعد الأساسية.

ما حدث هو العكس تماماً، وقد حكم الموقف منطق الصراع مع نقابة المعلمين، وتمّ استخدام اللعبة التقليدية ذاتها، والنتيجة، كالعادة، أننا دفعنا كلفة ذلك أضعافاً مضاعفة، فلا زالت الصفوف مغلقة، والطلبة حبساء بيوتهم.

الكلفة الكبرى بدأنا ندفعها الآن بالفعل، وهي النتيجة الطبيعيّة لحجم التحريض والتعبئة العبثيّة والعدميّة التي حدثت خلال اليومين السابقين، وقد ظهرت جميعها بهتافات “البلطجيّة”، فضلاً عن الشتائم البذيئة و​العنصرية​.

عندما جاء الرزاز كنا نأمل أن تقود الدولة المبادرة إلى “مفاهيم وطنية” جامعة، وهي التي تشكّل ضمانة حقيقية للأمن الاجتماعي، وخروجاً من الأزمة السياسية الخانقة، وتأمين طريق الإصلاح السياسي، لكن ما حدث هو نقيض ذلك تماماً، ما يجر البلاد إلى تأجيج المخاوف والهواجس المتبادلة، وتجذيرها، وتوظيفها المعتاد لمواجهة الحراك السياسي الشعبي.

ليس مهماً ولا يعني شيئاً وجود أكثر من وجهة نظر في مراكز القرار واختلافات حول التعامل مع التطورات والحراك الشعبي الجاري، فالنتيجة الوحيدة هي المأساة التي نشهدها اليوم، وما يليها من تداعيات مرعبة على الصعيد الاجتماعي، والتعليمي والتربوي، كما ينعكس على المستوى السياسي.

التعامل مع إضراب المعلمين كان كارثياً ومؤلماً لنا جميعاً، فقد كانت تلك الروح الوطنية الجامعة تؤذن بتجاوز الخطابات اليمينية الاحترابية والاجتماع على الجوامع الوطنية، ما يشكّل ركيزة لإصلاح سياسي آمن، ولكن ومع بقاء النغمة الحكومية كما هي فإن الرزاز اليوم أمام حل واحد لا ثاني له، الا وهو الإستقالة، فرحيله وحكومته سيعيدان للشارع هدوئه على الأقل حتى نرى ماذا سينتج خلفه.