في خُلاصة لآراء مجموعة من المُحلّلين الغربيّين المُتابعين لقضايا ​الشرق الأوسط​، ولتطوّرات الصراع الإقليمي بين ​إيران​ والسعودية، ولمختلف تشعّباته في المنطقة، وكذلك لكامل إمتداداته الدَوليّة، يُمكن التوقّف عند جملة من المُعطيات والتوقّعات المُهمّة، والتي تُعطي فكرة عمّا حدث أخيرًا، وعمّا سيحدث في المُستقبل القريب.

أوّلاً: بحسب الرواية الإيرانيّة إنّ إستهداف مُنشأتي النفط التابعتين لشركة ​أرامكو​ السعوديّة(1) في كل من منطقتي بقيق وخريص في المَملكة السُعوديّة، تمّ من ​اليمن​ على يدّ "أنصار الله" ردًا على الهجمات التي تُنفّذها السُعودية هناك، في حين أنّه وبحسب الرواية الأميركية-السعودية، الهجمات نُفّذت من جنوب إيران وتحديدًا من منطقة حُدوديّة مع ​العراق​، وعبر صواريخ "كروز" وطائرات مُسيّرة عن بُعد. وفي كلّ الأحوال، الأكيد أنّ هذه الهجمات تتجاوز المعارك الدائرة في اليمن، وهي تدخل مُباشرة في سياق الصراع الإيراني–السعودي. وبغضّ النظر عن المُنفّذين على الأرض، وعن الوسائل المُستخدمة، وعن أماكن إنطلاق العملية، فإنّ هذه الضربة العسكريّة المَدروسة باتقان، أسفرت عن إرتفاع أسعار النفط بشكل كبير قارب 20% خلال يوم واحد(2)، أي بأعلى نسبة تحصل خلال ساعات منذ حرب الخليج في العام 1991! وبالتالي، إنّ هذه الضربة تحمل رسالة إيرانيّة مُباشرة مُوجّهة للأميركيّين، وليس للسُعوديّين، ومفادها أنّ إيران جدّية في مُواجهة قرار منعها من تصدير نفطها، وهي مُستعدّة للذهاب بعيدًا في خياراتها لرفع الحصار عنها.

ثانيًا: إنّ هجمات جماعة "أنصار الله" كانت تتركّز في البداية على مواقع عسكريّة حُدوديّة تابعة للجيش السُعودي، ثم تطوّرت مع تدفّق المُساعدات العسكريّة من إيران إلى الحوثيّين، لتشمل إطلاق صواريخ أرض–أرض متوسّطة وبعيدة المدى نحو قواعد عسكريّة ومطارات سُعوديّة. لكن منذ قيام إدارة الرئيس الأميركي ​دونالد ترامب​ بفرض عُقوبات إقتصاديّة قاسية جدًا ضُدّ إيران، وأبرزها منعها من تصدير وبيع نفطها، بدأت المنطقة تشهد عمليّات ضُدّ ناقلات نفط خليجيّة ودَوليّة، قبل أن تتدرّج هذه العمليّات صُعودًا لتستهدف محطات ومعامل خليجيّة لتكرير النفط ولتصديره.

ثالثًا: إنّ إيران ستُواصل رفع مُستوى التوتّر الأمني في الخليج والمنطقة عُمومًا، لأنّها لن تقف مكتوفة الأيدي تجاه إستمرار الحصار الخانق الذي تُعاني منه، وبالتالي من المُتوقّع أن تشهد الأيّام والأسابيع المُقبلة المزيد من الهجمات المُوجعة ضُد القوى المَحسوبة على المحور الأميركي. في المُقابل، إنّ الولايات المتحدة الأميركيّة سُتواصل فرض المزيد من العُقوبات على إيران، وتأمين الدعم المشروط لحلفائها في المنطقة، لجهة المُطالبة بالتكفّل بدفع كل التكاليف المالية، والعمل على توقيع عُقود لشراء أسلحة أميركيّة، في مُقابل تطوير القُدرات القتالية الدفاعيّة والهُجوميّة للدول الخليجيّة. وما لم تُدافع واشنطن عن نفط الشرق الأوسط، والذي كان سبب إنتشارها في المنطقة بعد الحرب العالميّة الثانيّة، فهذا يعني أنّها قرّرت التخلّي عن خيار إستراتيجي بالغ الأهميّة.

رابعًا: من المُستبعد جدًا لجوء السُعودية أو الولايات المتحدة الأميركيّة إلى خيار الردّ العسكري المُباشر على إيران، لأنّ أيّ ردّ من هذا النوع سيُؤدّي إلى إشعال حرب في المنطقة–حتى لو كان عبارة عن ضربة عسكريّة محدودة في المكان والزمان. وبالتالي، الردّ المُحتمل والذي سيترافق مع باقة جديدة من العُقوبات الإقتصاديّة القاسية ضُدّ إيران، يتمثّل في إستهداف مواقع تابعة للحرس الثوري الإيراني في سوريا، على غرار الضربات التي تُنفّذها ​إسرائيل​ هناك. وستعمل واشنطن على خطّ دبلوماسي يهدف إلى تحشيد مجموعة من دول العالم لدعم الإجراءات التي سيتمّ إتخاذها ضُد إيران، على أمل إعادة إحياء الحصار الدولي الذي كان سائدًا قبل "الإتفاق النووي" مع طهران(3). ومن المُتوقّع أيضًا أن تتكثّف الهجمات السُعوديّة العسكريّة ضُدّ جماعة "أنصار الله" في اليمن المَدعومة لوجستيًا من قبل إيران، في الوقت الذي سيتمّ فيه تعزيز القُدرات الدفاعيّة للمملكة السعودية ولدولة الإمارات العربيّة المتحدة، لمُواجهة الهجمات الصاروخيّة والهجمات عبر الطائرات المُسيّرة، بالتزامن مع تفعيل قُدرات "التحالف الدَولي لأمن الملاحة"، والذي صار يضمّ عددًا لا بأس به من الدول، لحماية عمليّات نقل النفط عبر مياه الخليج.

خامسًا: إنّ إرتفاع أسعار المُشتقّات النفطيّة، في ظلّ إستمرار أجواء التوتّر في الخليج، سينعكس إرتفاعًا لأسعار الكثير من السُلع في مُختلف أنحاء العالم، من أسعار تعبئة بنزين السيارات وُصولاً إلى تذاكر الطيران، ومن أسعار الشحن والنقل البرّي وُصولاً إلى سلع حياتيّة عادية ستصل إلى المُستهلك بكلفة أعلى.

في الختام، وعلى الرغم من الأجواء القاتمة في المنطقة حاليًا، والإتجاه التصاعدي للمُواجهة الأميركيّة–الإيرانيّة، فإنّ الحرب الشاملة ليست خيارًا، حيث أنّ كل هذا الكباش القاسي أمنيًا وإقتصاديًا، يهدف في نهاية المطاف إلى التوصّل لتسوية جديدة على مُستوى ملفّات الشرق الأوسط. لكنّ هذه المسألة لم تنضج بعد، ما يُبقي المنطقة عرضة لعمليّات شدّ حبال مُتبادلة على حافة الهاوية!.

(1) تُعتبر شركة أرامكو المَملوكة من قبل السعوديّة، أكبر شركة منتجة للنفط في العالم، حيث أنّها تُنتج نحو 10 % من مُجمل إنتاج النفط العالمي.

(2) إرتفعت أسعار النفط الخام إلى 71,95 دولارًا أميركيًا للبرميل الواحد، قبل أن تتراجع بشكل طفيف لتبلغ نحو 66 دولاراً للبرميل الواحد، بعد إطلاق تطمينات أميركيّة وسُعودية بتأمين البدائل للنقص الذي حصل في الأسواق.

(3) هو إتفاق وُقّع في العام 2015 بين إيران من جهة، وكل من أميركا وروسيا وبريطانيا والصين وفرنسا وألمانيا من جهة أخرى، وقضى برفع الحصار الإقتصادي عن إيران آنذاك، في مُقابل وقف برنامجها لتخصيب اليورانيوم.