أكّد رئيس لجنة المال و​الموازنة​ النائب ​ابراهيم كنعان​، حول قراءته لزيارة رئيس الحكومة ​سعد الحريري​ إلى ​فرنسا​ في ظلّ ​الوضع الاقتصادي​ الراهن، أنّ "كلّ تواصل مع ​المجتمع الدولي​، خصوصًا الدول الفاعلة في "سيدر"، هو إيجابي ل​لبنان​. فنحن في مرحلة اقتصاديّة صعبة، ورهاننا اليوم جدّي على استعادة الثقة الدوليّة. والمطلوب اليوم، على صعيد الخارج والداخل، هو إجراءات عمليّة وخطوات جدّية، ووضع كلّ المقرّرات الّتي اتّخذتها ​الحكومة اللبنانية​ موضع التنفيذ".

ولفت في حديث صحافي، إلى أنّ "المسألة واضحة، لدينا 3 إلى 4 ملفات كبرى تشكّل العجز الأساسي للدولة اللبنانية، والمسؤولون مرتبطون بإصلاحات جذرية بنيويّة يفترض حلّها. وقد ركّز الحوار الاقتصادي الّذي عُقد في بعبدا في 9 آب على هذه الملفات تحديدًا، ومنها تنفيذ موازنة 2019 وإصلاحاتها، والشراكة بين القطاعين العام والخاص الّتي بات قانونها جاهزًا، وتحويل معامل إنتاج ​الكهرباء​ من فيول إلى غاز، والحكومة الإلكترونية الّتي أبدى "​البنك الدولي​" استعداده لتمويلها بمبلغ يصل إلى 100 مليون دولار". ونوّه إلى أنّ "كلّها مقرّرات في حاجة إلى إجراءات تنفيذيّة من شأنها أن تفتح الأبواب جديًّا لاستعادة الثقة بلبنان".

وعن القول إنّ مسار "سيدر" بدأ الآن بعد الزيارة، بيّن كنعان أنّ "فضلًا عن "سيدر"، هناك 4 مليارات دولار رصدها "البنك الدولي" للبنان، بدأ العمل بمليار ونصف المليار منها والمبلغ المتبقّي ينتظر الإصلاحات. ومن جهّتنا كدولة لبنانية، الإرادة موجودة للإصلاح لكن لا يفترض أن نتأخّر في التنفيذ". وذكر أنّ "إلى جانب الإصلاحات في موازنة 2020، يجب ترجمة القرارات الإصلاحيّة الّتي اتّخِذت، ومنها على سبيل المثال إقفال 79 مؤسسة عامّة لا تُنتج". وأفاد بأنّ "باختصار، المجتمع الدولي حاضر لمساعدتنا والإثبات هو الحديث عن ودائع وتغطية الديون، ولكن علينا أن نساعد أنفسنا أوّلًا، من خلال العمل الجدّي. الإصلاحات بدأت تطبّق ولكن بوتيرة بطيئة، والمفروض أن تسرّع خطواتها".

وفسّر أنّ "البطء ناتج من أمرَين أساسيَّين: خلفيّاتنا المتناقضة وتركيبتنا السياسيّة الفضفاضة، مثل حكومة الوحدة الوطنية الّتي تجمع الجهات كافّة، وتصدر بيانًا وزاريًّا لا يشكّل رؤية للبلاد، وهو عملية تسوية لغويّة، وهذا الأمر موجود منذ 30 سنة حتّى اليوم بعيدًا عن الرؤية الوطنيّة الاقتصاديّة الماليّة السياسيّة، بل تتحوّل الحكومة إلى مركز للتصادم والتصارع داخل الحكم ينعكس شللًا وبطأ في العمل بالنسبة إلى المواطن الّذي يتحمّل كلّ هذه التبعات". وشدّد على أنّ "السلطة التنفيذية غير متجانسة وكلّ فريق "رابِض" على مواقع معيّنة، ويعطّل عمل الآخر بحسب مصالحه".

وأشار إلى أنّه "لأنّنا لا نستطيع أن نغيّر تركيبة لبنان السياسية، بدأنا في بعبدا بمبادرة رئيس الجمهورية ​ميشال عون​، وإيجابيّتها الأساسيّة هي دعوة جميع الفرقاء إلى طاولة واحدة لنتوافَق على حلول ورؤية اقتصاديّة واحدة في الكهرباء والمال العام والشراكة مع ​القطاع الخاص​... والأهمّ هو "تصفير" المشكلات السياسيّة كي نعكس مناخًا سياسيًّا إيجابيًّا للعمل الإقتصادي. وفي بعض الأحيان إنّ شروط التنفيذ تؤدّي إلى البطء، من هنا أهميّة تعديل بعض القوانين وتطويرها".

وأوضح كنعان أنّ "الاقتراحات الجديدة للموازنة تتضمّن آلية تنفيذية لِما تمّ الاتفاق عليه في بعبدا، فبعض الأحزاب تطرح أمورًا مهمّة لكنّها لا تتابعها، كما هو حال ملف الإقتصاد الرقمي الّذي من شأنه أن يوفّر حوالى 40 في المئة من الكلفة على الدولة اليوم، وباتَ مُنجزًا بمجمله لكنّه ينتظر التوقيع. وحال مشروع الحكومة الإلكترونية الّتي بات تمويلها جاهزًا، ولكنّها أيضًا في انتظار القرار. ومن شأن هذا المشروع، على أهميّته، أن يساهم في تقليص ​الفساد​ في إدارة الدولة والقضاء عليه".

وفصّل بموضوع تطبيق الآليّة التنفيذيّة على ​خطة الكهرباء​، أنّ "في ورقة "​التيار الوطني الحر​" 3 عناصر أساسيّة: تحويل معامل الإنتاج من فيول إلى غاز، تحسين الجباية بحدود 200 أو 250 مليار ليرة إضافية، وبالتالي ترتفع إيرادات موازنة 2020، ورفع الدعم عن قطاع الكهرباء بوضع تعرفة توازي الكلفة ربطًا بالإنتاجيّة". ولفت إلى أنّ "موضوع رفع التعرفة سيأخذ حيّزًا كبيرًا من النقاش، ودورنا في مجلس النواب سيكون أساسيًّا للدفع باتجاه إيجاد الحلول، كما هي الحال في موازنة 2019. على مجلس النواب أن يقوم بدوره باستقلالية تامة، في إطار التكامل الضروري بين ​المؤسسات الدستورية​".

وعن كيفيّة تأمين الإيرادات في الموازنة من دون ضرائب، شدّد على "ضرورة وضع هذا الملف فوق التجاذبات السياسية وفوق "التَمريك: والتَشاطُر، وإلّا فنحن لن ننجح. لبنان ليس مُفلسًا، وهذه السنة ارتفعت إيراداتنا 1,2 في المئة. لبنان لن يغرق، وهو يملك كلّ إمكانيّات النهوض. والوعي موجود لدى الكتل النيابية كافّة، والكل يشعر بضرورة تَصفير المشاكل السياسيّة في البلاد لنتمكّن من المعالجة إقتصاديًّا، والعبرة هي بالتنفيذ". وأكّد أنّ "لبنان ليس بحاجة للتنظير، بل لإجراءات عمليّة لا تحتمل التأويل. الإرادة السياسيّة مهمّة، ولكنّها تبقى شِعرًا إذا لم تترافق مع الإجراءات التنفيذيّة".

كما كشف كنعان أنّ "ما لفتني في مشروع موازنة 2020، هو ارتفاع مجموع خدمة الدين ليصِل إلى 10.6 في المئة، ولقد توقفتُ عند هذا الرقم لأنّنا مَررنا بلا استقرار سياسي لا مثيل له، وشُلّت البلاد لمدّة 40 يومًا. لذلك، فإنّ كلفة حالات اللاإستقرار السياسي باهظة الثمن على لبنان وماليّته، وتبقى العبرة بضرورة تجنّب الخلافات السياسيّة. كما لفتني ارتفاع قيمة معاشات التقاعد وتعويضات الصرف الّتي ناهزت 302.3 مليار ليرة، في ظلّ غياب أيّ توظيفات جديدة". ونوّه إلى أنّ "لمعالجة هذه الأرقام، وجدنا "الدواء" في المادة 80 من موازنة 2019، وهنا نتحدّث عن وقف التوظيف ووقف التعاقد... وكل ّأنواع الاحتيال على التوظيف القانوني. كما لَحظَت الموازنة غياب أي اعتماد لتوظيف جديد".

وذكّر بأنّ "العجز كان 7.59 في المئة ووصل إلى 7.38 في المئة، وهدفي تحقيق تخفيض إضافي يصل إلى نحو 300 أو400 مليار ليرة، إذا كان هناك من تجاوب. وأريد التركيز على "النمو"، فهذه النقطة أساسيّة في اللعبة الإقتصادية، وبلادنا تموت لأنّ النمو يُناهز الصفر، فقد سجّلت النفقات الاستثماريّة انخفاضًا إلى 5.82 في المئة عام 2020، بعد أن كانت العام الماضي 6.83 في المئة، أي لا استثمار". وأوضح أنّ "عمومًا نحتاج إلى زيادة النفقات الاستثماريّة لنتمكّن من تحريك السوق، وذلك عبر المشاريع الّتي يموّلها "البنك الدولي"، والـ 11 مليار المرصودة من "سيدر". وننتقل إلى المنافع الاجتماعيّة، أي الجمعيّات الوهميّة الّتي خفّضنا تمويلها الى النصف تقريباً. وفي هذا العام سنخفّض أكثر".

إلى ذلك، رأى أنّ "الخطوات الإصلاحية بموضوع الكهرباء هي باتجاه التنفيذ، لأنّ هذا ما التزمته الحكومة اللبنانية والوزارة أثناء مناقشة 2019"، مشيرًا إلى أنّ "بالتوازي مع إقرار الموازنة، نحن في حاجة إلى قرارات وإجراءات، منها تسديد فواتير الكهرباء والاتصالات في الإدارات والمؤسسات العامة، لأنّ هناك قسمًا منها لا يُسدّد حتى الآن، وعلينا تحديد حجم المبالغ العائدة للمتأخرات المترتّبة على ​الدولة اللبنانية​ بُغية جَدولة تسديدها". وبيّن "أنّنا تحدّثنا أيضًا عن وضع جداول للهِبات الممنوحة وإخضاعها للرقابة، وإعادة النظر في جَدوى بعض المؤسسات العامة وأنظمتها، وإقفال المؤسسة الّتي هي من دون جدوى".

وأفاد بأنّ "ما فعلته وزيرة الدولة لشؤون التنمية الإدارية مي شدياق هو تعليق عمل بعض من وَردت أسماؤهم، علمًا أنّ من المفترض انتظار صدور القرار القضائي. لكن في جميع الأحوال، إنّ صلاحيّة تحديد العقود تعود للوزارة، الّتي لها الحقّ بعدم تجديدها. وكلجنة نيابية قمتُ بواجبي وقدّمتُ تقريرًا مفصّلًا عن الموضوع". وركّز على أنّ "ديوان المحاسبة هو الجهة القضائيّة الماليّة العليا، ولديه الصلاحيّات القضائيّة، ومن مسؤوليّته التدقيق بالتقرير المُرسل إليه من قبلنا، وإصدار قرار به. أنا كنائب لا أملك صلاحيّات الفصل، لكن بإمكان الحكومة عدم تجديد العقود، وإذا لم يتّخذ أيّ قرار ستجرى جلسة عامة للمساءلة لنطالب بتطبيق القانون". وشدّد على أنّ "ساعة التغيير حين تبدأ بالدوران لا يمكن إعادتها الى الوراء".

وعمّا إذا كانت موازنة 2020 تلحظ أزمة الإسكان، أعلن كنعان أنّ "في اجتماع 9 آب الماضي، أبلغنا حاكم "مصرف لبنان" رياض سلامة أنّ هناك مبلغ 500 مليون دولار مرصود للإسكان كقروض إسكانيّة طويلة الأمد، إلى جانب مبلغ 500 مليون دولار أخرى مخصّص للقطاعات المنتجة. إذاً، سيتم ضَخ حوالى المليار دولار في السوق، ما سيُحرّكها، إضافة الى المئة مليار الّتي أقرّها مجلس النواب. الأمر بدأ وسيَتفعّل أكثر مع الافراج عمّا تمّ إقراره".

وحول مسألة انقطاع الدولار من السوق اللبنانية، أشار إلى أنّ "هناك الكثير من التأكيدات والتعميمات صدرت، إن من "مصرف لبنان" أو من جمعية المصارف، تؤكّد أنّ لا نقص في الدولار في الأسواق، لكنّ المعلومات الّتي تصلنا مختلفة، فقد سجّلت بعض الحالات الّتي لوحِظ من خلالها أنّ هناك نقصًا وبعض التَشدّد في مسألة التداول بالدولار، لكنه غير مُعمّم بشكل كبير، وهذا ما سنتابعه كجهات نيابيّة رقابيّة في الأيام المقبلة".