لم يعد سراً أن رئيس ​الحكومة​ ​سعد الحريري​ يبتعد عن التصريحات السياسية الحادة، في سياق سعيه للتركيز على الملفات الإقتصادية التي تشغل بال اللبنانيين، ضمن إتفاق واضح بين مختلف الأفرقاء السياسيين، لكن في المقابل بات من الواضح أنّه يواجه حملة مزايدات واسعة من قبل من يعتبرون أنفسهم منافسين له على الساحة السنّية، إنطلاقاً من الأحداث الإقليميّة الأخيرة، لا سيما على مستوى المواجهة بين ​المملكة العربية السعودية​ و​الجمهورية​ الإسلامية في ​إيران​.

ضمن هذا السياق، يمكن فهم المواقف التي تعبر عنها أكثر من شخصية سياسية بارزة مؤخّرًا، من رئيس الحكومة الأسبق ​فؤاد السنيورة​ إلى الوزيرين السابقين ​أشرف ريفي​ و​نهاد المشنوق​، في حين هو يعتمد لغة المواقف الدبلوماسيّة إلى حد بعيد، الأمر الذي يضعه في موقع الحرج مع بيئته الشعبيّة، نظراً إلى أن مواقف هؤلاء تتناغم مع ما يدور في الأوساط الشعبية.

في هذا الإطار، تشدد مصادر سياسية مطلعة، عبر "النشرة"، على التصعيد ليس الهدف منه طهران أو "​حزب الله​" فقط، بل أيضاً رئيس الحكومة، على قاعدة أن الرجل لا يتولى خوض المواجهة في هذه اللحظة الإقليميّة الحرجة، في حين أن هذه الشخصيّات تقدم أوراق إعتمادها على هذا الأساس، وبالتالي من حقّها أن تأخذ فرصتها على هذا الصعيد، ضمن قناعة لا تزال حاضرة بأن من يحظى بالرعاية السعوديّة قادر على القيام بما يقوم به الحريري، في ظل تراجع القدرات المادّية التي كان يتمتّع بها.

وتشير هذه المصادر إلى أن تلك الشخصيات لا تتأخر في إنتقاد الخيارات التي يتخذها رئيس الحكومة، حتى ولو كانت لا تذهب إلى المواجهة المباشرة معه، على قاعدة حفظ خطّ العودة حتى ولو كان ذلك بالحد الأدنى، لكن في المقابل تلفت إلى أن هناك من ضمن تيار "المستقبل" من هو يضطر لمجاراة هذه الشخصيات في حملات التصعيد، على قاعدة عدم ترك الساحة لهؤلاء.

وتوضح المصادر نفسها أن النقطة الأساس التي يركز عليها هؤلاء هي كيفية إدارة الحريري لمسار التسوية الرئاسيّة، حيث يعتبرون أنه يقدّم تنازلات غير مقبولة، وبالتّالي عليه التوقّف عن هذا التوجّه قبل فوات الأوان، إلاّ أنّ حقيقة الموقف هي أنهم المستفيد الأول ممّا يعتبرونه أخطاء يقع فيها رئيس الحكومة، الأمر الذي يسمح لهم بالبناء عليها للرهان على الكسب الشعبي في المستقبل.

في المقابل، لدى مصادر سياسية أخرى في الساحة السنية قراءة مختلفة لكل هذا الواقع، حيث لا تنكر أن الحريري يواجه منافسة من قلب بيته الداخلي، لكنها تشدد على أن قدرة هؤلاء على إحداث أي تغيير نوعي غير قائمة، نظراً إلى أن رئيس الحكومة لا يزال هو الرقم الأول على المستوى الشعبي من جهة، ويتمتع بحاضنة دولية ومحلية كبيرة لا تتوفّر لأي منها من جهة ثانية.

وتلفت هذه المصادر، عبر "النشرة"، أن الحريري يدرك جيداً هذا الواقع، أي عدم توفّر أي بديل عنه على الساحة المحلّية، في مقابل تمسك أغلب الأفرقاء في الداخل بوجوده على رأس الحكومة، خصوصاً "حزب الله" و"التيار الوطني الحر"، بالإضافة إلى رئيس المجلس النيابي نبيه بري ورئيس "الحزب التقدمي الإشتراكي" النائب السابق وليد جنبلاط، في حين أنّ أيّ قوى خارجيّة لا تستطيع أن تفرض أيّ توجه هو موضع معارضة من قبل أغلب القوى السياسية.

في المحصّلة، تشير المصادر نفسها إلى أنّ الشخصية الأساس التي قد تشكل خطراً على موقع رئيس الحكومة، ليست من ضمن تلك التي تذهب إلى التصعيد ضده على مستوى المواقف السياسية، بل هي تلك التي تتوفر فيها القيمة المعنوية التي يمتلكها، وترى أن المرحلة الأصعب التي مرّ بها الرجل كانت عند طرح اسم شقيقه بهاء الحريري بديلاً عنه خلال إحتجازه في العاصمة السعوديّة الرياض، مع تأكيدها أن المرحلة الراهنة على مستوى الداخلي ليس مرحلة مواجهة سياسية.