الوضعُ النقدي والمالي والإقتصادي يراوح بين هبّة باردةٍ وهبّةٍ ساخنة، وبين الهبَّتين يعيشُ ال​لبنان​ي هواجسَ التفاؤل والتشاؤم.

***

من الهبات الباردة التي تدل على مؤشرات إيجابية، ان ​وزارة المال​ أنجزت الترتيبات اللازمة لاصدار سندات "يوروبوند" بملياري دولار اميركي لتمويل حاجات الدولة، وجاءت هذه الخطوة بعد ايام معدودة من إعلان وزير المال ​علي حسن خليل​ عن بدء الإجراءات الخاصة بالإصدار.

***

خطوة وزير المال الجريئة في توقيتها، استكملها الوزير خليل بتكليف ثلاثة مصارف إدارة الإصدار وتسويقه على جزأين : الأول لإستحقاق 10 سنوات وبفائدة 11.25%، والثاني لإستحقاق 15 سنة وبفائدة 12.50%.

***

لكن ما كادت هذه الهبة الباردة تُثلج قلوب اللبنانيين حتى جاءت هبة ساخنة تمثلت في ما صدر من مؤشر عن لبنان، فقد قررت وكالة "​موديز​" مراجعة التصنيف الائتماني للدولة اللبنانية والإبقاء على تصنيف لبنان الحالي عند Caa1. وكذلك وضع تصنيف لبنان قيد المراقبة وفي اتجاه التخفيض خلال ثلاثة أشهر، إذا لم يتبلور مسار الأمور إيجابياً. وختم التقرير أن "موديز" ستقوم خلال هذه الفترة، بتقييم أداء ​الحكومة​ ومدى التزامها بإقرار موازنة العام 2020، هذا الإلتزام سيعزز الثقة ويؤمّن الدعم الخارجي.

***

مرة جديدة تدق وكالة "موديز" ناقوس الخطر، والمطلوب في هذه الحال ان تعمد السلطة التنفيذية على تعاون جميع الفرقاء دون استثناء إلى طمأنة وكالات الإئتمان العالمية.

***

ومن الهبات الساخنة جدًا أن التلاعب باسعار صرف ​الدولار​ الأميركي، أدى الى ارتفاع في اسعار السلع الاستهلاكية التي بدأت ترتفع بنسبة تتراوح بين 10 و20 في المئة، خصوصاً وأن الحديث جارٍ عن إقرار رفع الضريبة على ​القيمة المضافة​. وهذا يعني انّ المواطن سيفقد من قدرته الشرائية ما يوازي 25 في المئة من راتبه.

***

ماذا يعني كل ذلك؟

يعني ان الهبّات الساخنة تتقدم فيما الهبّات الباردة تنحسر.

وما يضاعف في هذه الظاهرة غير المريحة ان الاوضاع السياسية دائما في حالة الهبّات الساخنة ، وأكبر دليل على ذلك هذه السجالات التي لا تتوقف وهذه التباينات التي تضرب السلطة التنفيذية بين بعضها البعض بحيث لا تبدو سلطة متجانسة بل سلطة متنافرة يتقاتل اعضاؤها في ما بينهم وهذا ما ينعكس سلبًا على ادائهم ويعطي إشارة سلبية للمجتمع الدولي.

***

وعلى رغم كل التحذيرات، فإن هذه السلطة ما زالت على خلافاتها من دون حسيب او رقيب ومن دون الاخذ بعين الإعتبار ان الشعب لم يعد يتحمل خلافات هذه الطبقة السياسية، ولكن ما الحل؟

المؤسفُ ان لا أحدَ يملكُ مخرجًا للخروجِ من هذه المعضلات، وكيف تكاتفَ جميعُ الفرقاء مع سياساتٍ جذرية متناقضةٍ حتى الأخير، وهذه مشكلة لبنان الكبرى، ب​سياسة​ تحكُمُه وتحكمُ اداراتِه وحتى ناسَه، بينما المطلوبُ التكافلُ، ولكن من أين يأتي هذا التكافلُ والتضامن؟