كم هو مريحٌ وإيجابي ويبعث على الأمل والتفاؤل، الحوار و​النقاش​ مع شخصيات تملك عقولًا ومعرفةٍ وعلمًا وحججًا منطقية. هذا النوع من الأشخاص من شأنه أن يضع حدًا لكل المخاوف والتشنجات ويُطلق العنان لتفكير إيجابي رغم كل التهويل.

***

كنت في نقاشٍ مع أحد الذين تنطبق عليهم هذه الصفات، وكان عنوان النقاش ​الوضع المالي​ في ​لبنان​ وملاءة ​المصارف​ واحتياط ​مصرف لبنان​، و​العقوبات الأميركية​ على لبنان وانعكاساتها على وضعه النقدي.

قدَّم هذا الفهيم المالي والسياسي عرضًا مفصَّلًا فبدأ من حقيقة راسخة أن الغرب لن يسمح بسقوط لبنان، ليس لسبب أخلاقي فحسب، فالدول أولوياتها المصالح قبل أي شيء آخر، ومعادلة الدول الغربية وعلى رأسها ​الولايات المتحدة الاميركية​ والإتحاد الاوروبي هي التالية:

إذا سقط لبنان فهل بإمكان أحد ان يتصوَّر وضع مليون ونصف مليون نازح سوري في لبنان؟ هؤلاء سيتوجهون إلى الجهة المقابلة من حوض البحر الابيض المتوسط أي الى ​فرنسا​ و​إيطاليا​ وأسبانيا و​اليونان​ وقبرص، ومنها إلى "الداخل الأوروبي" وإلى الولايات المتحدة الاميركية وكندا وغيرها... لا يحدث كل ذلك إذا لم يسقط لبنان، لهذا السبب من مصلحة الدول التي تخشى ​النازحين​ ان تُبقي لبنان واقفًا على رجليه لئلا يسقط.

ويتابع الفهيم المحنّك: حِرصُ الغرب على عدم سقوط لبنان يدفعه إلى مواصلة دعمه، والوديعة الأخيرة بمليار ونصف مليار ​دولار​ التي وصلت إلى لبنان عبر أحد المصارف ليست سوى بابٍ من ابواب هذا الدعم، وإذا احتاج الأمر سيدعمون بمثلها من بنك آخر.

***

ويتابع: في لبنان مليون ونصف مليون سوري، إذا أرسل كل واحد منهم مئة دولار شهريًا إلى ​سوريا​ فإن السحوبات تكون 150 مليون دولار شهريًا.

وهناك نصف مليون عامل وعاملة أجنبية في لبنان من جنسيات متعددة: من ​الفيليبين​ ومصر إلى ​اثيوبيا​ إلى ​سيريلانكا​ إلى بنغلاديش وغيرها، إذا حوَّل كل واحد من هؤلاء مئة دولار أميركي إلى دولهم فإن المجموع يكون خمسين مليون دولار. فيكون مجموع تحويلات السوريين و​العمال الأجانب​ 200 مليون دولار أميركي شهريًا أي ملياران ونصف مليار دولار شهريًا تخرج من لبنان سنويًا، يًضاف إليها 17 مليار دولار فاتورة الاستيراد سنويًا، فنصل الى رقم 20 مليار دولار تخرج من لبنان سنويًا بسبب العمالة الاجنبية والنازحين والاستيراد.

في المقابل، هل "يُدخِّل" لبنان ما يخرج منه من دولارات؟

الجواب: كلا.

هنا يكمن جوهر المشكلة لكنها مشكلة وليست معضلة، أي بالإمكان معالجتها من خلال التفتيش عن تنظيم إخراج العملة الصعبة من لبنان.

لا يستطيع لبنان ان يعيش وفق نمط المعيشة في السابق، هذه حقيقة يجب ان يعرفها الجميع، لكن المسؤولية يجب ان تكون على عاتق مَن تولوا مسؤولية المال والتلزيمات والمناقصات منذ ثلاثين عامًا إلى اليوم ولا يزالون بيننا "هرج ومرج".

لا يُعقَل ان يكون على لبنان مئة مليار دولار ديناً وتكون كلها صُرِفَت للمصلحة العامة.

فتشوا في هذه المليارات المئة عن "جيوب الهدر و​الفساد​ والرشاوى" فيها.

***

للتذكيرِ... ماذا يحصلُ في سوريا على الصعيدِ المالي؟

من يجرؤُ على رفضِ طلبِ ردّ ما استفادَ به واستغلَّه خلالَ سنواتِ الحربِ؟ بل كان يردُهُ مع الشكرِ وطلبِ السترة.