لم يبتعد أمين عام "​حزب الله​" ​السيد حسن نصرالله​، في خطابه اليوم، عن صورة المشهد السياسي الذي تظهّر، في ​الساعات​ الماضية، انطلاقاً من المعادلة التي فرضها الشارع في اليومين الماضيين، والذي يقوم على مثلّث واضح المعالم يضمّ، إلى جانب الحزب، كل من "​التيار الوطني الحر​" وتيار "المستقبل"، أي الأفرقاء الذين يعتقدون أن الفرصة أمام ​الحكومة​ الحاليّة لا تزال سانحة، وسينضم إليهم بشكل رسمي ليلاً رئيس ​المجلس النيابي​ ​نبيه بري​.

في المقابل، سيكون موقف كل من حزب "القوات اللبنانية" و"​الحزب التقدمي الاشتراكي​" هو الحدث الأبرز، لمعرفة ما إذا كانا سيتراجعان عن الموقف التي أعلناه سابقاً، لناحية الخروج من الحكومة والدعوة إلى إسقاط ​رئيس الجمهورية​ العماد ​ميشال عون​.

انطلاقاً ممّا تقدم، يمكن فهم المواقف التي أعلنها السيد نصرالله، والتي لم تخرج عن الاطار العام لمواقف الحريري وباسيل، لناحية الدعوة إلى الاستفادة من عامل الشارع لانجاز الاصلاحات المطلوبة، على عكس التوّجه الذي ذهبت إليه بعض القوى والشخصيات السّياسية الأخرى، التي فضّلت الهروب من ​الأزمة​ وركوب موجة الشارع، محذّراً من أنها ستكون على موعد مع المحاسبة في حال قررت الاستمرار في هذا الخيار، لا سيّما تلك التي كانت شريكة في الحكم على مدى سنوات طويلة.

بالتزامن، كان أمين عام "حزب الله" واضحاً بالتأكيد على أن موقف الشارع يدعم موقفه، لناحية رفض فرض الضرائب على الفقراء وذوي الطبقات المحدودة، وهو ما لم يتردّد ممثلي الحزب في ​الاعلان​ عنه، في الفترة السابقة، إلا أن السيد نصرالله ذهب أبعد من ذلك، عبر تأمين الحماية لمطالب المتظاهرين في الشارع، من خلال منحها الغطاء السياسي الأكبر، بالتأكيد أن الحزب لن يكون بعيداً عن الشارع، لكن في التوقيت الذي يختاره هو، بعد أن يستنفد كل الامكانات الأخرى، سواء في ​مجلس الوزراء​ أو في ​مجلس النواب​.

على هذا الأساس، يمكن القول أن مهلة 72 ساعة، التي حدّدها رئيس الحكومة ​سعد الحريري​، باتت موجّهة إلى القوى التي اختارت الخيار الأسهل، أي الهروب والذهاب إلى الشارع، لتحسم موقفها بشكل نهائي، بين المشاركة في تحمّل المسؤوليّة الصعبة أو الاستمرار في موقفها الحالي، الّذي لا يعني أنّها ستبقى بمنأى عن دائرة المحاسبة، وهو ما يجب أن تدركه جيداً، نظراً إلى أن المثلّث المذكور في الأعلى لن يقبل تحميله وحيداً مسؤوليّة الأوضاع التي وصلت إليها البلاد، في حين يذهب الآخرون إلى تبني الشعارات الاصلاحيّة.

على صعيد متّصل، لا يمكن تجاهل رسالة التحذير التي أطلقها السيد نصرالله، والتي كانت بمثابة الإشارة إلى أنّ الفرصة الحاليّة قد تكون الأخيرة، من خلال الحديث عن نزول الحزب إلى الشارع، بما يمثّله من قوّة تنظيميّة، والشكل الذي سيتّخذه هذا النزول، الذي كان حاسماً بأنّه لا ينتهي قبل تحقيق المطالب التي يحدّدها، وهو ما يؤكّد أن ​التحالف الرباعي​ يريد الاستفادة من معادلة الشارع بعد أن فهمها جيداً.

في المحصّلة، يمكن القول أنّ الشارع نجح في تحقيق الخطوة الأولى من تحرّكه، أيّ منع فرض ضرائب جديدة على الفقراء وذوي الدخل المحدود، وبالتالي عليه البدء بالتفكير بالخطوة الثانية، ضمن إطار واقعي لا يقود إلى الفوضى، والتي من الممكن أن تكون بعنوان واضح ومحدد هو المحاسبة.