لا يُمكن لأحد أن يُنكر أن التظاهرات في الشارع حقّقت وعبر الورقة الإصلاحيّة ما لا يُمكن تحقيقه لو لم يكن الناس في الشارع، وربما ولأوّل مرّة إستطاع الشعب أن يضغط على الحكام ويفرض عليهم أمراً واقعاً.

ولكن الواضح من المشاهد أن الحراك اتخذ إتجاهاً مغايرا مع مرور الايام، خصوصاً في العديد من المناطق التي تقطع فيها الطرقات "بالقوّة" وليس تحت شعار المطالب الإقتصاديّة والمعيشيّة بل تحت شعار اسقاط النظام وغيره، وبالتالي يُستغلّ وجع "الشعب" لتحقيق غايات أخرى... وعلى وقع هذا كلّه تبقى أبواب ​المصارف​ مقفلة، وطبعاً هذا له إرتدادات خصوصاً على الواقع المالي... فهل هذا ما يريده فعلاً الشعب "الموجوع"!.

حتى الصحف ​العالم​ية حاولت التحليل في الواقع المالي والنقدي ال​لبنان​ي، فنشرت صحيفة "الفاينانشيال تايمز" مقالاً بعنوان "لبنان يوافق على إصلاحات بعد أيام من الغضب الشعبي" أشارت فيه الى أن "لبنان مع اقتراب موعد سداد حصة كبيرة من الديون العام المقبل، وتقترب نقطة فاصلة في لبنان بسرعة يبدو أن إعادة جدولة وهيكلة الديون أمر حتمي، كما أن تخفيض قيمة العملة يبدو أمرا حتميا". وأمام ما يشهده الشارع منذ الأسبوع الماضي يقف المواطن اللبناني حائراً فما حقيقة الوضع: هل فعلا ستتم اعادة جدولة وهيكلة الديون؟ ماذا عن وضع العملة؟.

"اعادة هيكلة الدين أو جدولته تعني ان ​الدولة​ لن تكون قادرة على سداد دينها". هذا ما يلفت اليه الخبير الإقتصادي غازي وزني، مشيراً في نفس الوقت الى أن "الدولة وعبر ​مصرف لبنان​ قادرة على سداد ديونها بالعملات الأجنبيّة لعامي 2020 و2021 وهذا الأمر واضح ومذكور في وكالات التصنيف الدوليّة ستاندر اند بورز و​موديز​ وفيتش"، مضيفاً: "كلفة الديون تصل الى 4.5 مليار دولار أما الاحتياطي بالعملات الأجنبية فيبلغ 38.5 مليار دولار"، مؤكداً أن "الخوف في المرحلة المقبلة هو على تأزم الوضع الإقتصادي والمالي وأن يؤدّي التدهور إذا استمر الى استنزاف احتياطي مصرف لبنان بالعملة الصعبة، ولكن هذا لن يحصل في الوقت الراهن".

في المقابل يرى وزني في حديث لـ"النشرة" أن "تخفيض قيمة العملة في المرحلة المقبلة يتوقف على تطوّر الوضع السياسي وقدرة ​الحكومة​ على معالجة ​الوضع المالي​ والتدفّقات المالية". هذا ما يؤكده بدوره الوزير السابق ​رائد خوري​، مشيرا عبر "النشرة" الى أنه "يجب إنتظار كيف ستنتهي التظاهرات وعلى أيّ أساس وفي حال فتحت الطرقات ستهدأ الأمور، وعند فتح المصارف يجب أن نراقب حركة التحويلات". يعود وزني ليشرح أن "الذي يمكن أن يحصل عند افتتاح المصارف هو فيما يتعلق بسوق الصيرفة حيث يمكن أن يزيد العرض على ​الدولار​".

"سوق الصيرفة أمام حالتين: الأولى هي أن يعطي المعتصمون فرصة للحكومة للمعالجة حتى ولو بقوا في الشارع، عندها سوق الصيرفة سيفتح مع إنضباط التقلّبات". هذا ما يؤكده وزني، مضيفا: "في الحالة الثانية وبحال رفض المعتصمون الورقة الحكومية ودخلت البلاد بأزمة حكم فهذا يعني الدخول بالمجهول وارتفاع الدولار". بدوره يشدد رائد خوري على أنه "إذا كانت حركة التحويلات الى الخارج عاديّة فعندها لا لزوم لأخذ إجراءات معيّنة أما بحال أثّرت التظاهرات على الناس وأصبح هناك خوف وكانت التحويلات كبيرة، عندها يجب القيام بإجراءات معينة لايقافها ربما عبر اصدار قوانين تمنع التحويل الى الخارج"، مضيفا: "هذا الاجراء يتخذ في نهاية المطاف، لأنه ليس ايجابياً وسيكون له ارتدادات وسيؤثّر على ثقة العالم بلبنان وثقة اللبناني، من هنا يجب أن نسعى الى إراحة الناس قبل فتح المصارف".

بالأمس أكد رئيس الحكومة ​سعد الحريري​ أنه سيتم خفض قيمة ​الدين العام​ 6 مليار دولار في العام المقبل وهذا الأمر ستشارك فيه المصارف ومصرف لبنان. وهذا الامر يرى فيه وزني "اشارة ايجابيّة للأسواق العالميّة، أننا نستطيع المحافظة على الاستقرار النقدي وعلى قيمة العملة".

إذاً، ستبقى أبواب المصارف مغلقة في الوقت الراهن بإنتظار أن يهدأ الشارع... وما يمكن قوله للشعب المنتفض "انتفاضتكم حقّقت مطلباً أساسياً"، وإذا أردنا فعلاً انقاذ البلد، واذا كانت الانتفاضة حقيقية يجب الخروج من الشارع والعودة اليه حين تدعو الحاجة، لأن البقاء فيه قد يؤدي لخراب البلاد!.