دخلت ​إيران​ منذ ليل الخميس الماضي موجة الإحتجاجات الشعبية التي تعيشها المنطقة. ففي قرار مفاجئ، أعلنت الحكومة الإيرانيّة تطبيق تقنين استهلاك البنزين ورفع أسعاره، مع الأخذ بعين الإعتبار أن عائدات هذه الزيادة لن تدخل ميزانية الحكومة وإنما ستوزع على العائلات التي تتلقّى دعما حكوميا أي العائلات الأكثر فقراً.

هذا الموضوع، الذي اتخذه المجلس الاعلى للتنسيق الاقتصادي والذي تشكل بأمر من المرشد ال​ايران​ي السيد علي خامنئي بعد انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي، لم يمرّ على المواطنين بطريقة سهلة، بل أدى إلى نزول العديد منهم إلى الشوارع لرفضه، فعبّر البعض عن رأيه بطريقة سلميّة عبر قطع بعض الطرقات، إلا أن بعض الأشخاص أحرقوا بعض المصارف واعتدوا على الأملاك العامة والخاصة.

تفاصيل القرار

قبل الخوض في تحليل خلفيّات القرار الحكومي وأبعاد الاحتجاجات السياسية، يجب فهم تفاصيله وتأثيره على الحياة اليومية في إيران.

إن ​النقل العام​ المشترك في المدن الإيرانيّة من باصات وقطارات ومترو متوفّر للمواطنين، وأغلب من يستخدمونه هم الفقراء وبعض ذوي الدخل المحدود وقلّة من ذوي الدخل المتوسط. لذا فإن هكذا قرار لن يؤثّر على حركة المواصلات بشكل تام في كل إيران، ومن يملك سيارة هو بطبيعة الحال ليس من الطبقات الفقيرة.

بما يخص سعر البنزين (رفع الأسعار شمل البنزين وحده وليس كل أنواع المحروقات)، فإنّ كل مواطن ايراني يملك سيارة له حصّة شهرية من البنزين بحسب السيّارة، فالتاكسي لها حصة مدعومة اكبر من حصة الخصوصيّة. وفي القرار الجديد تم تخصيص 60 ليتر شهريًا لكل سيارة خاصة بسعر 1500 تومان لليتر الواحد وضعف هذا السعر لأكثر من هذه الكمية، فيما حُدد سعر البنزين الممتاز بـ3500 تومان لليتر الواحد (الدولار يعادل حوالي 11200 تومان). وهذه الأسعار هي في الأصل مدعومة من الحكومة.

ومن هنا، فإن إصرار الحكومة الإيرانيّة على قرارها هو نظراً لعدم تأثيره على المواطنين كما انه لن يشمل باقي السلع، والهدف الأساسي منه دعم العائلات الأكثر فقراً، والذي يصل عددها إلى 18 مليون عائلة.

مطالب معيشية او سياسية؟

في بداية تحرّكات الشارع الإيراني، كانت المطالب معيشية، وكان رفع سعر البنزين "القشّة التي قصمت ظهر البعير". فنزل المواطنون إلى الشارع لمطالبة رئيس الجمهوريّة ​حسن روحاني​ بتحسين الوضع المعيشي الذي بدأ يتفاقم منذ خروج الرئيس الأميركي ​دونالد ترامب​ من الاتفاق النووي. لكن مع مرور الوقت، بدأت الشعارات السيّاسية وأعمال العنف تسود بعض الشوارع، كالمطالبة بوقف دعم حركات المقاومة في فلسطين والعراق ولبنان وعلى رأسها ​حزب الله​ وتحويل هذه الأموال إلى الشعب الإيراني.

من هنا، رأى رئيس تحرير النسخة العربية لوكالة مهر للانباء محمد مظهري أن "ما حصل في الساعات الماضية للاحتجاجات هو محاولات عمياء لنشر الفوضى وللانتقام من النظام الحالي في إيران"، مشيراً إلى "أنني لا أرى مستقبلاً لهذه التحركات لأنها بدأت تضر الممتلكات العامة وتعرقل مسار الحياة في البلاد".

وفي حديث مع "النشرة"، لفت مظهري إلى أن "الاحتجاجات في كل إيران لا تملك قيادة واضحة وما يحصل الآن هو فوضى عمياء"، متوقعاً فصل المحتجين أنفسهم عن المخرّبين، مضيفاً "أعمال الشغب والعنف تصبّ في صالح الحكومة لأنّه سيعطيها الحق في اعتقال مسبّبي الشغب، وكل الاجراءات الأخرى ستكون مبرّرة لدى الرأي العام لانّها بحجّة مكافحة العنف والشغب".

على صعيد المنطقة، اعتبر مظهري أن "أميركا لا يمكنها تفويت أي فرصة لضرب محور المقاومة المتمثل بحزب الله وفلسطين والعراق والداخل الإيراني، وبالتالي بدأت تعمل مع بعض الدول الخليجيّة على ركوب موجة الأزمة"، معتبراً أن "أيّ موقف أميركي في ظلّ حكومة ترامب المتخبّط سياسياً ستصب في مصلحة تماسك وانسجام الشعب الايراني، أيّ أن الحكومة الايرانيّة ستستفيد من هذه التصريحات نظراً لحساسيّة الشعب الإيراني تاريخياً مع أي تدخّل أجنبي".

على الجبهة ​السعودية​، لفت مظهري النظر إلى "تحركات السعوديين على مواقع التواصل الاجتماعي عبر الحملات التي يقومون بها لتحويل المطالب المعيشيّة الى مطالب سياسيّة"، معتبراً أن "لا قدرة للمملكة في خلق مثل هذه الأحداث في الداخل الإيراني، وأكثر ما يمكن للقادة السعوديين القيام به هو ركوب الموجة".

لا يمكن توقّع أو تكهّن إلى أيّ مدى ستستمرّ التحركات، خصوصاً أن القرارات الحكوميّة أو أداء السلطات الأمنيّة ستحدّد كل ذلك. لكن الأكيد أن الحكومة والنظام في ايران متماسكان في ظل عدم وجود أيّ خلاف بين التيارات السياسية الإيرانية الداخلية، ما يؤكد ضرورة اتخاذ قرارات جدّية لامتصاص الأزمة والحؤول دون تطور الأحداث.