فخامة الرئيس، أكتب إليكم هذه الكلمات، لا لأُبدي رأيي في شؤونٍ أنتم أدرى بها، وأدّعي معرفةَ ما لا أعرف. بل لأعتذر منكم عن شرٍّ أراده لكم بعض المُجّبّبين والمُجلببين الذين يلبسون ثياب الصّالحين الزّاهدين، ويعتمرون طابيّة الخاضعين الوَرعين وعمامة الملائكة المُسبِّحين، وهُم "في قلوبِهِم ذئابٌ خاطِفة"(متى7: 15) "وسمُّ الأَصْلاَلِ تَحْتَ شِفَاهِهِمْ"(رو 3: 13)، وأنبياء كذبة، يَرعون الشّعب باسم الله وهُم في غُربَةٍ معه.

فمُعتمر "الطّابيّة" المُتبصِّر بالطّقس وبحالته، تبصّر بأن تَقعوا وتَموتوا ويكون يوم دفنكم عُرساً وطنيّاً. هو حتماً لَم يُسمِّكم بالإسم، فللمُضَرّسين من رجال الدّين طُرُقُهم الحذِقة في التحدّث والتّمَلّص، وللمُتبصّرون طُرُقُهم في المناورة. ولكن القارىء النّبيه يستطيع أن يشتمّ رائحة الموت التي تفوح من بين سطور كتبها مَن مِن المفترض بهم أن يكونوا قد كرّسوا أنفسهم لخدمة ​الحياة​، وفي هذا فضيحة! ومُعتَمرُ "العمامة" ذهب بعيداً في وَرَعِه العَلنيّ، فصلّى... وصلّى... وصلّى، وربّما للمرّة الأولى، ودعا وأرعد وأزبد وسأل الله الذي يعبُده أن يستردَّ أمانته فيُميتكم شرّ ميتة. وفي هذا فضيحة أكبر! وما بين الطاّبيّة والعَمامة وجه شَبَه: إنّه الحقد الذي يُعشعش في قلوب من يجدر بهم أن يقودوا رعاياهم إلى الرّحمة والمحبّة، فإذا بِهم يُسيئون ويسبّون ويشتّمون ويلعنون، ويسوقونها إلى ضَلال مُبين. وأنا، في الحقيقة، أشفق عليهم، لأنّني لطالما كنت على يقين من أن رجال الدّين ليسوا كلّهم رجال الله؛ فهناك من بينهم الكثير مِمّن لبس تجلبب واعتمر ليس إلاّ!.

أهي زلّة لِسان؟ كلا، بل فساد قلب. إذ من القلب ​الفاسد​ تأتي الأفكار الشّريرة والرّغبات الشّريرة والأمنيات الشّريرة. وفاسدو القلب ليس بإمكانهم أن يقودوا الرّعية إلى ​المحبة​، ويَدعوا القوم إلى صِّراط مُسقيم "وَإِنَّكَ لَتَدۡعُوهُمۡ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسۡتَقِيمٍ"(المؤمنون 73)، صِراط الرّحمة والمودّة، لأنّهم فارغون منها، وما ألسنتهم إلاّ رسولة قلوبهم، إذ "من فيض القلب يتكلّم اللّسان"(لو6: 45).

تقول الحكمة "صُنْ لسانك عن الشر وشفتيك عن التكلم بالغش"(مزمور34: 13). ويُحَّذّر ​السيد المسيح​، الذي يعبده صاحب الطابيّة، من عاقِبة تناول الإخوة بقبيح الكلام والتُّهَم:" فمَن قَالَ لأَخِيه: يَا أَحْمَق! يَسْتَوجِبُ حُكْمَ الـمَجْلِس. ومَنْ قَالَ: يَا كَافِر! يَسْتَوجِبُ نَارَ جَهَنَّم"(متى5: 22)، فكيف بمَن أراد له شرّاً؟ وينقل الإمام النّووي عن ابن أنس، عن رسول ​الإسلام​ الذي يجلُّه صاحب العمامة ويتبعه في أقوالِه وأفعاله، قولُه: "لا يتمنَّينَ أَحدُكم الموتَ لِضرٍّ أصابَه"، لا من ذاته ولذاته، ولا من الآخرين وللآخرين. الله هو الحياة ومَن يؤمن بالله حقيقةً، ويعبُده حقيقةً، يؤمن بالحياة ويتمنى للآخرين الحياة.

قمّة الحقد أن يتمنّى إنسان الموت لإنسان. الحقد جريمةٌ يرتكبها إنسان بحقّ إنسان من دون استعمال سِلاح. وليس بإمكان الحاقدين أن يبنوا وطناً نظيفاً مهما صَالوا وجَالوا، لإنّ الحقد هو فساد القلب الذي هو في أساس كلّ فساد. وقمّة المحبّة أن يتمنى إنسان الحياة لإنسان، لا بل ألاّ يدعه يموت. ووحده مَن يُحبّ يعرف الله ويعبُدُ الله ويقود الرعية إلى الله، لأنّ الله محبّة (1يو4: 8).

فخامة الرّئيس، تمنّى لك بعضُ خُدّام الحياة، الموت! أمّا أنا فأعتذر منك عنهم وعن كلّ مَن أراد لكَ شرّاً، لا بل عن كلِّ شتّام وحاقد، وأتمنّى لك الحياة، والحياة وافرةً... والسّلام.