تكثر ​الاخبار​ في الآونة الاخيرة عن احتمال حصول مفاوضات مباشرة او غير مباشرة، بين ​السعودية​ و​ايران​ للوصول الى نقاط مشتركة يمكن من خلالها الحديث عن تقارب في العلاقة لعودة المياه الى مجاريها بين البلدين. واللافت ان هذه الاخبار تتزامن مع تطورات متسارعة على الساحة الاقليمية تعطي مؤشرات متناقضة حول هذا الموضوع، منها الاضطرابات التي شهدتها ايران، والمبادرة السعودية في ​اليمن​ من خلال ​الحوثيين​، ناهيك عن الاحداث التي يشهدها ​العراق​. وتتعدد الاسئلة حول العقد العديدة التي تشكّلها هذه التطورات، فما حصل في ايران وان لم يشكّل سابقة بفعل التظارهات التي حصلت اكثر من مرة سابقاً، كان توقيته غريباً وتمكنت ​السلطة​ مرة جديدة من السيطرة عليه، ولو ان ضريبته هذه المرة من الخسائر البشرية كانت مهمة. واعتبر البعض ان هذه الاضطرابات شكّلت رسالة ووسيلة ضغط على ايران لتقديم تنازلات معيّنة للدخول في مسار التقارب مع دول الدول الاخرى، بعد الاستياء الكبير الذي ساد القارة الاوروبية بفعل الجنوح الايراني نحو التفلّت بسرعة من بنود ​الاتفاق النووي​ الذي اطاحت به ​الولايات المتحدة​. ويبدو ان الاوروبيين يعتبرون ان وقوفهم الى جانب ايران من خلال دعمهم لبقاء الاتفاق، لم تبادله ​طهران​ بمبادرة طيّبة، بل عمدت الى زيادة الضغط عليهم وهو ما لم يتحمّلوه.

وفيما لم تكن الاحداث الداخلية هي الرسالة الوحيدة التي تم توجيهها الى ايران، بدا اللعب على وتر العلاقة الايرانية-العراقية التي كانت في اوجها منذ فترة قصيرة، الا انها تدهورت بشكل كبير في الاشهر القليلة الماضية، وتغيّرت الصورة تماماً بالنسبة الى العراقيين حول الدور الايراني. واذا كان صحيحاً ان هذه الرسالة لن تؤدّي الى قطع العلاقات او الوصول الى حال من الحرب والعداء مع طهران، الا انه صحيح ايضاً انها ارخت القبضة الايرانيّة عن العراق، وسمحت بازدياد النفوذ الاجنبي على حساب النفوذ الذي كان سائداً، علماً انّ الشريحة الشيعية في العراق ستبقى فاعلة وحاضرة لكنها فقدت بعضاً من قوتها التي لطالما تميّزت بها في السنوات القليلة الماضية.

وفي مقابل الضغط على الايرانيين، كانت السعوديّة تقوم بمبادرة في اليمن، من خلال ​الاعلان​ عن استعدادها لاطلاق أسرى من الحوثيين، وهو امر يدل على ان مساراً معيّناً تم وضعه برعاية غربيّة لتقريب وجهات النظر بين البلدين، مع الاشارة الى انّ ايران تعتبر ان اي مبادرة في اليمن انّما تأتي بفعل الخسائر التي لحقت بالسعودية وحلفائها، في حين ان الواقع يشير بوضوح الى انّ الامور في هذا البلد يمكن ان تراوح مكانها لسنوات اياً يكن حجم الخسائر التي يتكبّدها ايّ طرف. وازاء هذا الواقع الجديد الذي بدأت ملامحه بالظهور، تثار شكوك حول ما اذا كان هناك نوع من التبادل، عبر التعويض عن الخسارة السياسية والمعنوية لايران في العراق، من خلال حفظ صورتها في اليمن، بما يرضي الايرانيين من جهة ويخفف من الضغط على الاميركيين من جهة اخرى، لان ​واشنطن​ اوضحت بما لا يقبل الشك انها غير قابلة بأي شكل للتخلي عن وجودها في العراق مهما كانت الظروف، وان نيّتها بالتواجد بهذا البلد مستمر في ظل سيطرة الحزبين الديمقراطي والجمهوري على السلطة. وفي حال صحّت هذه التوقعات، فإن المرحلة المقبلة ستكون اكثر صعوبة لانها ستشهد بدء تحديد الشروط والتفاصيل التي ترضي المعنيين لجهة الادوار التي يمكن ان يلعبوها، وحجم نفوذهم في الدول المجاورة، وقدرة المحافظة على الالتزامات في الصورة ​الجديدة​ للمنطقة، وتأثير هذا التقارب وربما الاتفاق، على دول عدة في ​الشرق الاوسط​ ومنها ​لبنان​ بطبيعة الحال.