على الشاشات، في الصالونات، في الأروقة السياسية في كلام المواطنين، على صفحات الصحف على قلتها "و​وسائل التواصل الاجتماعي​ سيناريوهات ترسم حول المرحلة المقبلة".

قد تختلف التفاصيل حول معالم الآتي لكن الجامع بينها لا يؤذن الا بالخراب والسواد والقلق.. ثمة من يقول لقد دخلنا في الانهيار وثمة من يتحدث عن ان الانهيار لم يأتِ بعد لأن ما سيحصل سيعيدنا عقوداً الى الوراء ولن نخرج من كبوتنا قبل آخرتنا.

نعم... وقعنا في ما كنا نحذّر منه... وما كتبنا عنه وما نبشنا تحقيقات حوله... لكن كل من في ​السلطة​ اليوم وبالامس وبالامس البعيد. لم يكن يسمع وأدار ظهره لصرخات الناس الموجوعين والمقهورين والمذلولين والمنفيين والمهمشين والمنهوبين...

حاول الناس على مدى سنوات ان ينتفضوا وان يتمردوا لكن سياسات الترغيب واستغلال كل أدوات السلطة والنفوذ على مختلف الاصعدة وسياسات ذل الناس واستتباعهم بالخدمات والوظائف والتنفيعات خدّرت الجميع فاستسلموا لاقدارهم بانتظار معجزة تفك أسرهم وتنقذهم من الفاجرين الذين سرقوا هناءهم ورضاءهم وكرامتهم واموالهم وفرص عملهم وآمالهم بمستقبل افضل لهم ولعيالهم.

طال الانتظار الى ان انفجر الناس غضباً وحقداً وجوعاً وقهراً ونزلوا بالآلاف الى الشوارع والساحات ليصرخوا "الكلّ يعني الكلّ" للفاسدين.

وبدأ "الكرتون" يتداعى... والكرتون الذي شيدوه منذ عشرات السنوات ب​الفساد​ و​السرقات​ والسمسرات بدأ ينهار ومعه الذين جمعهم الفساد والنفوذ والنهب فكانوا ناسا من ورق كما كتب الرحابنة يوما.... فبدأوا يتهاوون مع انتفاضة الشعب الذي شرعَ يفتح سجلاتهم الواحد تلو الآخر.

لكن، كبرياء أهل السلطة جعلهم يتأخرون في اعلان نهاياتهم... ها هم عاجزون عن تأليف ​حكومة​ جديدة ويناورون، وآخر "بِدْعَة البُدَعْ" ان نهاية هذا الاسبوع ستكون حكومة برئاسة المهندس سمير خطيب أو الأفضل رجل الأعمال الباهر ​فؤاد المخزومي​، وهذا يزيدهم التصاقاً بمكاسبهم التي صارت بدورها ورقا وكرتونية...

***

الناس في مكان وأهل المكاسب في مكان آخر ... لم تهزهم صرخة ام تريد بيع كليتها لتدفع بدل الطبابة والمنزل واخلاء زوجها الموقوف.

لم تهزهم جريمة انتحار والد دينه فقط تحت المليون ليرة وحصة ابنته المغمسة بالدموع أقل من ألف ليرة لبنانية.

لم تهزهم صرخات الناس المذلولين على ابواب ​المصارف​ التي عقدت العزم على تشليحهم واغتصاب جنى اعمارهم.

لم تهزهم صرخات المعلمين في ​المدارس​ الذين توقفوا عن التعليم لأن المدارس لم تدفع لهم ولأن الأهالي بدورهم لم يدفعوا لها.

لم تهزهم صرخات التجار الذين يفلسون الواحد تلو الآخر والمؤسسات التي تصرف الموظفين بالعشرات وتترك مصائرهم ل​وزارة العمل​ لتفصل بالصرف التعسفي أو لا....

لم تهزهم صرخات أرباب العائلات الذين تحسم رواتبهم الى ما دون الخمسين بالمئة وتدفع بالعملة اللبنانية فيما أغلب الذين يتم التعامل معهم لا يقبلون ان يقبضوا إلا ب​الدولار​.... وعندما يذهبون الى الصرافين يصدمون كيف صارت رواتبهم محسومة مع تبديل العملات بدل الخمسين لتصل الى السبعين أو الثمانين بالمئة.

"كرتون" يتهاوى ولن يسلّم الامانة للناس الانقياء البسطاء النظيفي الكف من خلال حكومة اختصاصيين ومن خلال انتخابات نيابية مبكرة تفرز قيادات جديدة نظيفة تشرّع للناس في الاقتصاد والعمل والشيخوخة وضمان الودائع واستعادة الاموال المسروقة واستقلالية القضاء واستعادة الشواطئ والانهر وسلامة الغذاء والكهرباء والمياه وغيرها وغيرها من التشريعات الخارجة عن "مرقلي تا مرّقلك... وغيرها".

غداً سيأتي من قلبِ لبنانَ وشعبه الناسُ الحقيقيون... الطالعون من رحم المعاناة.. الانقياء، المتمردون، سينقلون همومَ الناسِ وصرخاتهم الى حيثُ يجب أن تكون..

سيولدُ لبنان الجديدُ وان على مضضٍ وبعد تعبٍ وفقرٍ وجوعٍ ربما ... وبطالة... لكنه سيولد... من رحمِ الوطن.

وسيزفَ الشعب في الساحاتِ وسيحاكمُ الفاسدين من مسؤولين نهبوا اموالهم وحقوقهم وغيرهم الذين صُنعوا من ورق....