قبل ان يستقيل رئيس ​الحكومة​ ​سعد الحريري​ بشكل مفاجئ ويتحول الى رئيس حكومة تصريف اعمال، كان ​الثنائي الشيعي​ يعلن تمسكه به، وكان اللوم على الاستقالة على "قدر ​المحبة​" في ان يبقى في السراي الكبير ويتولى المسؤولية. وبعد الاستقالة، كان هذا الثنائي واضحاً كعين ​الشمس​ بأنه يرغب في ان يعود الحريري الى منصبه، لا بل كان اكثر تشدداً من اكثر المؤيدين لرئيس ​تيار المستقبل​ في هذا الموضوع. لكن نقطة الخلاف الاساسية كانت في التباعد حول الرؤية لشكل الحكومة، اذ اصرّ الحريري على ان تكون تكنوقراط محض، فيما تمسك الثنائي بأن تكون تكنوسياسية ولو طغى عليها الحضور التقني المتخصص، اي تقليل عدد الوزراء السياسيين الى الحد الادنى.

اليوم، يجد كل من ​حزب الله​ و​حركة امل​ نفسيهما في موقف حرج بعد اعلان ​التيار الوطني الحر​ وضمنه تكتل "​لبنان​ القوي" عزوفه عن الدخول في الحكومة التي بات مسلّماً به ان الحريري سيرأسها، وموافقتهما على هذا الموقف سيعني حكماً تسليم "رقبة" الثلاثي لرئيس الحكومة المكلّف ووزرائه، مع كل ما يعنيه ذلك من خطورة على وضع الحزب والتيار الوطني الحر وأمل على حد سواء. هذا الحديث سيثير ايضاً شكوكاً حول مصداقية ورؤية الثنائي الشيعي، وخصوصاً حزب الله الذي ستشكل هذه الخطوة سابقة له اذ انه سيعلن التخلي عن حليفه الوزير ​جبران باسيل​، كما انه سيتراجع عما كان اعلنه سابقاً من تمسك بحكومة مختلطة وعدم قبوله باقتصارها على "التكنوقراط".

الوضع سيكون بالغ الحرج بالنسبة الى الحزب والحركة، وهذا ما دفع برئيس ​مجلس النواب​ ​نبيه بري​ الى توجيه رسالة الى باسيل الاربعاء الفائت مفادها انه لا يرضى بغياب التيار عن الحكومة المقبلة. هذا الموقف يثير التساؤل حول كيفية توفيق الثنائي الشيعي بين تأييد ترؤس الحريري للحكومة، وبقاء التيار فيها ان عبر باسيل او غيره، وهما حتى الآن امران متناقضان بشدة. الحلّ سيكون باجراء شبكة واسعة من ​الاتصالات​ كان قد بدأها برّي بالفعل عبر "مرساله" الوزير ​علي حسن خليل​، من خلال سلسلة لقاءات اغلبها مع الحريري لمعرفة ما يمكن ان تؤول اليه الامور وربما الوصول الى حلّ يرضي الجميع، لذلك ستكون ​الساعات​ القليلة الفاصلة عن يوم الاثنين المقبل، حاسمة لجهة المنحى الذي ستأخذه الامور وشكل الحكومة من ناحية العدد وتوزيع الحقائب. ولا يجب بأي حال من الاحوال اغفال الضغط الدولي على لبنان من اجل قيام حكومة يتم التعاطي معها بفاعلية، رغم الانقسام الذي ساد القوى الخارجيّة بين من قبل تخطّي عدم وجود الحريري على رأس الحكومة ومن لم يقبل ذلك، وكان تشديد على انه من غير المسموح بإفلاس البلد او وصوله الى حال الانهيار الكامل، علماً ان النقطة التي يقف عندها اليوم حرجة جداً، ولكن يبدو انه بالتزامن مع المظلّة الامنيّة التي لا تزال قائمة فوق لبنان، هناك شبكة امان رفيعة تفصل بينه وبين الانهيار الكامل والافلاس، وبالتالي بات وضع لبنان يشبه كيس الملاكمة الذي يتلقّى الضربة تلو الاخرى فيما يمنع سقوطه، الجنزير الحديدي الذي يحمله.

لا شك ان موقف التيار الوطني الحر خلط الاوراق، والاهم انه أحرج الحزب بالدرجة الاولى وحركة امل بالدرجة الثانية، واذا ما عاد قطار الحريري الى سكّة التأليف مجدداً، فكيف سيكون مساره وايّ طريق سيأخذه؟! والاهم الاهم يبقى في تحديد موعد انطلاقه الذي يترقبه الكثيرون في الداخل والخارج، ليكون مؤشّر بداية خروج لبنان من الازمة، وهي مسيرة ليست قصيرة او سهلة على الاطلاق.